عصر الخرافة يتجدد !..
 

يقول الكاتب يوسف الكويليت الإحباط واليأس وضعف الإرادة، والفقر النفسي، أدوات لتصديق الخرافة والقبول بها، واعتبار المسوقين لها كشافين لحقائق مستحيلة، وهنا جاء انتشارها عالمياً وتوارثها على مر التاريخ كجزء من البحث عن يقين مفقود..
فالبيت الأبيض زمن الرئيس ريجان كان له (عرافة) خاصة تفسر الأبراج والظواهر الكونية وسعده ونحسه في مسيرته، وآخرون أقل وزناً كانوا في مطلع كل عام يدعون البصّارات لقراءة بختهم بطوالع النجوم، وما إذا كانت الدروب سالكة، أم أن المفاجآت غير السارة قادمة، وبعض الفنانين في الرسم والمشاهير مثل بيكاسو، لا يأكل على مائدة يجد فيها قرص عيش مقلوباً، أو ملعقة مقلوبة..
في التقاليد الهندية إذا مات الرجل تقبر معه امرأته حيّة، وقبل فيضان نهر النيل كان يُضحى بفتاة برميها في مياهه لاتقاء شر الفيضان، وحتى لدينا في المملكة تعتبر "عرضة الأرنب" ونعيق البوم والغراب، والتصبّح بإنسان فاقد إحدى عينيه أو مشاهدة قط أسود، نذر شر، وحتى العين أعطيت من التفسيرات ما خالفها شرعاً ومنطقاً..
مع جيل "الإنترنت" والفضائيات ورسائل الجوال بدأ سوق الخرافة ينتشر فأحد مدعي "المشيخة" من دولة أفريقية يرسل مئات الرسائل بواسطة الجوال يطلب الآلاف من الريالات لفك السحر، أو الديون، أو الخلافات الزوجية واستغل الكثير من السذج ممن وقعوا في حبائل هذا المحتال، والآن أصبحت محطات الفضاء، المختصة بنشر الخرافة تقرأ البخت، وتدعي العلمية في أن ما يتكلم أو يفسره قارئ الفنجان أو الكف وتفسير الظواهر حقيقة مطلقة، وقد وجدوا سوقاً مزدهرة، وهناك إذاعة أيضاً وجدت لها سوقاً في ترويج هذه البضاعة من خلال سيدة تفسر الأرقام والأسماء في سلسلة مضحكة من إعطاء التفسيرات وتقول ان ذلك مفهوم علمي معترف به، وطالما نحن في حراسة هذه الواجهات التي تروج لها وسائل الإعلام، إلى جانب من يعلنون عن أنفسهم بشفاء الأمراض المستعصية بواسطة خلطات سرية واكتشافات لا يجوز إعلانها، ووجود عناصر وصلت إلى حد اليأس من هذه الأمراض، كانوا ضحية المدعين لن نكون بصحة عقلية..
بهذه المناسبة هل نلغي تجاربنا ووعينا، وثقافتنا بالقبول بهذا الانتشار للخرافة، ونجعل في كل إدارة تعليم، أو بنك، أو غرفة تجارية، ومصنع، بصّاراً أو بصارة يحدد لنا اتجاه سوق الأسهم، أو نجاح أبنائنا أو رسوبهم، أو تجنب خسائر مصنع أو تعرضه لحريق، أو تلف ما، ونفرض ضريبة على النقل العام الجوي، والأرضي، والبحري بزيادة سعر التذاكر حتى تنطلق تلك الوسائل بسلام ونرهن زواجاتنا، وقبولنا أو رفضنا بالوصول إلى وظيفة ما، ونضع مع كل طبيب بصاراً يقرأ ما قبل إجراء العملية، أو كتابة الدواء، أو إجراء تحليل ما أو صور إشعاعية ؟ وأن لا نقدم على مد طريق أو بناء منزل أو عمارة إلا (بحرز) من مروجي الخرافة ونعيد سيرة الكهان الذين سادوا في تواريخ غيبوبة العقل، أم نطلق إرادتنا ونحسم اتجاهنا نحو العقل، قبل أن نكون ضحية لنشرات مكتوبة تذهب بنا إلى المجهول؟..

يعطيك العافية