عرض مشاركة واحدة
قديم 01-06-2009, 08:49 PM   رقم المشاركة : 1
عضو فعال
 
الصورة الرمزية خيال الغلباء





خيال الغلباء غير متصل

خيال الغلباء is on a distinguished road


 

= :: (( محاسبة النفس ضرورة ملحة )) :: =

بسم الله الرحمن الرحيم

إخواني الكرام / أعضاء ومتصفحي منتديات القبابنة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : لما كانت النفس من الأعداء الملازمين للإنسان في ليله ونهاره ، وفي حله وترحاله ، ولما كانت حاضرة في كل أحواله ، تزين له الباطل ، وتدعوه إلى الدعة والكسل ، وتسعى لإيقاعه في الزلل ... لزم أهل العقول والنهى محاسبتها ، لإيقافها عند حدها ، ومنعها عن زيغها ، اتباعاً للتوجيه الإلهي الكريم ، والنداء الرباني العظيم : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ( الحشر : 18 )، أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم ، واتقوا الله تأكيد ثان ، واعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم ، لا تخفى عليه منكم خافية ، ولا يغيب من أموركم جليل ولا حقير .

وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يحث على محاسبة النفس فيقول : ( الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله ) رواه البيهقي والترمذي وابن ماجه .

وقد ذكّر الصحابة الكرام بمحاسبة النفس ، ودعوا إلى التأهب للعرض الأكبر ، فهذا أبو حفص عمر الفاروق رضي الله عنه وأرضاه يقول : " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، وتأهبوا للعرض الأكبر على من لا تخفى عليه أعمالكم ". مذكراً بقول الله عز وجل : { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ } ( الحاقة : 18 )، أي تعرضون على عالم السر والنجوى ، الذي لا يخفى عليه شيء من أموركم بل هو عالم بالظواهر والسرائر والضمائر .

وكتب / عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى بعض عماله : " حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة ، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد أمره إلى الرضا والغبطة ، ومن ألهته حياته ، وشغله أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والخسارة ".

فمحاسبة النفس أمر ضروري يعود بالنفع على صاحبه في الدنيا والآخرة ، وهكذا كان هدي السلف الأبرار ، والسابقين الأخيار ، فهذا الحسن البصري يقول : " إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه ، وكانت المحاسبة من همته ".

وقال ميمون بن مهران : " لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه "، ولهذا قيل : النفس كالشريك الخوان ، إن لم تحاسبه ذهب بمالك .

وقال ميمون أيضا : " إن التقي أشد محاسبة لنفسه من سلطان عاص ، ومن شريك شحيح ".

وذكر الإمام أحمد عن وهب قال : مكتوب في حكمة آل داود : " حق على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات : ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه ، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل ، فإن في هذه الساعة عونا على تلك الساعات ، وإجماما للقلوب ".

وقال الحسن : المؤمن قوام على نفسه ، يحاسب نفسه لله ، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا ، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة . إن المؤمن يفاجئه الشيء ويعجبه ، فيقول : والله إني لأشتهيك ، وإنك لمن حاجتي ، ولكن والله ما من صلة إليك ، هيهات هيهات ، حيل بيني وبينك . ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه ، فيقول : ما أردت إلى هذا ؟ ما لي ولهذا ؟ والله لا أعود إلى هذا أبدا ، إن المؤمنين قوم أوقفهم القرآن وحال بينهم وبين هلكتهم ، إن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته ، لا يأمن شيئا حتى يلقى الله ، يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وفي بصره ، وفي لسانه ، وفي جوارحه ، مأخوذ عليه في ذلك كله .

وقال مالك بن دينار : رحم الله عبدا قال لنفسه : ألست صاحبة كذا ؟ ألست صاحبة كذا ؟ ثم ذمها ، ثم خطمها ، ثم ألزمها كتاب الله عز وجل ، فكان لها قائدا .

ومحاسبة النفس نوعان كما ذكر " ابن القيم " في كتابه : إغاثة اللهفان :

1- محاسبة النفس عند الهم والإرادة ، قال الحسن رحمه الله : رحم الله عبدا وقف عند همه ، فإن كان لله مضى ، وإن كان لغيره تأخر .

2- محاسبة النفس بعد العمل ، وهو ثلاثة أنواع :

أحدها : محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله تعالى ، فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي . وحق الله تعالى في الطاعة ستة أمور : الإخلاص في العمل ، والنصيحة لله فيه ، ومتابعة الرسول فيه ، وشهود مشهد الإحسان فيه ، وشهود منة الله عليه ، وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كله .

الثاني : أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيراً له من فعله .

الثالث : أن يحاسب نفسه على أمر مباح ، أو معتاد : لم فعله ؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة ؟ فيكون رابحا ، أو أراد به الدنيا وعاجلها ؟ فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به .

ولمحاسبة النفس فوائد كثيرة منها :

1- الإطلاع على عيوب النفس ، فإذا اطلع على عيبها مقتها في ذات الله تعالى .

2- معرفة حق الله تعالى ، ومن لم يعرف حق الله تعالى عليه فإن عبادته لا تكاد تجدي ، وهي قليلة المنفعة جدا .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا حجاج حدثنا جرير بن حازم عن وهب قال : بلغني أن نبي الله موسى عليه السلام مر برجل يدعو ويتضرع ، فقال : يا رب ارحمه ، فإني قد رحمته فأوحى الله تعالى إليه : لو دعاني حتى ينقطع قواه ما استجيب له حتى ينظر في حقي عليه .

فمن أنفع الأمور للقلب النظر في حق الله على العباد ، فإن ذلك يورثه مقت نفسه ، والإزراء عليها ويخلصه من العجب ورؤية العمل ، ويفتح له باب الخضوع والذل والانكسار بين يدي ربه ، واليأس من نفسه ، وأن النجاة لا تحصل له إلا بعفو الله ، ومغفرته ورحمته ، فإن من حقه أن يطاع ولا يعصى ، وأن يذكر فلا ينسى ، وأن يشكر فلا يكفر .

فالذي ينبغي على المؤمن العاقل أن يحاسب النفس ويشارطها على حفظ جوارحه : العين ، والأذن ، والفم ، واللسان ، والفرج ، واليد ، والرجل ، ثم مطالعتها والإشراف عليها ومراقبتها ، فلا يهملها ، فإنه إن أهملها لحظة رتعت في الخيانة ولا بد ، فإن تمادى على الإهمال تمادت في الخيانة حتى تذهب رأس المال كله ، فمتى أحس بالنقصان انتقل إلى المحاسبة ، فحينئذ يتبين له حقيقة الربح والخسران ، فإذا أحس بالخسران وتيقنه إستدرك منها ما يستدركه الشريك من شريكه : من الرجوع عليه بما مضى .

وما أحوجنا اليوم إلى المحاسبة ، ونحن في زمن كثرت فيه دواعي الشهوات ، وتعددت المغريات ، وتنوعت الملهيات ، فالأمر جد أيها الأخوة الكرام ، فلا بد من الحزم والإقدام ، وقبل الرحيل وفوات الأوان .

ومما يعين المرء على تلك المحاسبة : معرفته أنه كلما اجتهد فيها اليوم استراح منها غدا إذا صار الحساب إلى غيره ، وكلما أهملها اليوم اشتد عليه الحساب غدا .

إضافة إلى معرفته أن ربح هذه التجارة سكنى الفردوس ، والنظر إلى وجه الرب سبحانه ، وصحبة النبيين والأخيار ، وخسارتها : دخول النار والحجاب عن المولى سبحانه ، مع من حجب من الأشقياء والفجار .

وفي الختام ندعو الله أن يحفظنا وإياكم من الزيغ واتباع الهوى ، وأن يزكي أنفسنا بطاعته ، فهو وليها ومولاها ، والحمد لله رب العالمين . منقول مع خالص التحية وأطيب الأمنيات وأنتم سالمون وغانمون والسلام .

 







توقيع :

  رد مع اقتباس