عرض مشاركة واحدة
قديم 06-28-2005, 12:44 PM   رقم المشاركة : 4
عضو نشيط





كحيلان غير متصل

كحيلان is on a distinguished road


 

مشاركة: روايه صدام حسين ( اخرج منها يا ملعون) حصرياً

الجزء الرابع
افضل من يأخذ لي حقي بالعدل، ويبيض وجهي، ولكن ارجوك، يا اخي وقدوتي، بل قدوتنا جميعا، دعنا نعالج الموضوع هنا أنا وأنت فقط، وان لا نذهب الى هناك، حيث تجمع القبيلة، لنكتم عنها ما حصل..
قال له ابراهيم:
ـ لقد عرفت كل شيء، وجئتك بهذا الخاسئ حيا لتقتله بنفسك وبسيفي هذا.
واستل ابراهيم سيفه من قرابه، وناوله الى شيخ القبيلة وبعد ان هزه شيخ القبيلة بيده عدة مرات وهو يحدق في الخاسئ حسقيل، قال موجها الكلام لابراهيم:
ـ لقد وصلني حقي، يا اخي، وقدوتي، وانني افك رقبته، ولن اقتله تاركا معاقبته لربك، يا ابراهيم، ولكن لي رجاء ان احتفظ بسيفك هذا، وان تنبذ حسقيل، انت واخواه، محمود ويوسف.. وسوف اقتله، اذا وجدته مصادفة بعد افتراقنا هذا، وله فترة سماح من يوم وليلة.
قبل ابراهيم كل شيء اراده شيخ القبيلة، وتعانق شيخ القبيلة وابراهيم، وهما ينتحبان وافترقا.
طرد ابراهيم حسقيل الخاسئ من فوره بعد ان اعطاه بعيرا واحدا ليحمل عليه بيت الشعر الصغير العائد له، وبعض اغراض العمل، مع كيس او صرة الذهب التي يمتلكها، وحذره من ان يكون في مكان قريب يجعل عينيه او عيون يوسف او محمود تقع عليه، ذلك انهم سيقتلونه ان ظفروا به، بعد فترة السماح التي أمدها يوم وليلة وسيفعل الشيء نفسه غريمه شيخ القبيلة وابناؤه، وربما قبيلته ايضا.. ولقد اشاع ابراهيم واولاده بين القبائل انهم تبرأوا من حسقيل وانفصلوا عنه بسبب اختلافهم معه في منهج الحياة والايمان وسوء اخلاقه.
عاش ابراهيم وعائلته: ام الخير وحفيداه يوسف ومحمود في استقرار بل سعادة غامرة بعد رحيل حسقيل.. ومع الزمن اتسعت وتعمقت محبة الناس لهم.. وازداد عدد المترددين عليهم طلبا للعلم والحكمة، يسألونهم في شؤون الايمان والدين او في شؤون الحياة مما يتصل بهم.
في احدى ليالي شهر تشرين الاول، حيث الخريف، وحيث تبدأ اشجار الصيف تنفض جزءا من اوراقها، ويكون العشب يابسا لتعتاش عليه المواشي، هو وما يخلفه من بذور، ومن ذلك نبتة صحراوية تسمى (الزريجة) نسبة للونها (الاملح) الذي يخالطه اللون الاخضر ممزوجا بما هو شبه (ماوي)، والعرب لا يبحثون عن الالوان المختلطة (بين بين)، في الغالب، وانما يبحثون عن الالوان الاساسية بعد الابيض والاسود، وهي الاحمر، والاصفر، والاخضر، والازرق، و(الجوزي) ـ من لون الجوز.. وهكذا كانوا يسمون تلك النبتة: (زريجة)، بل إن الالوان التي بين الابيض والاسود لم تكن مما يهتمون به سابقا، وانما هذان اللونان فقط، اما الالوان الاخرى فقد دخلت حياة العرب متأخرة، ليتعاملوا معها، او يرتديها كلباس من يريد التخلص من حرج اللون الابيض، اذا كان رجلا، ذلك ان اللون الابيض لا يتحمل الوسخ، وهو حساس في العمل مثلما هو حساس للون الدم عندما يصاب من يصاب بجروح في الحروب، اما من يضعف (ويعملها على نفسه) في الحروب، فالافضل له ان يرتدي اللون الاسود، او الالوان الاخرى، لانه لن يقدر على حماية اللون الابيض من الاتساخ او ان يباهي به عندما يتضرج بالندى (الدم الطهور) الذي يعز اهله عندما يندى في الحق..
غالبا ما كان الرعاة يجمعون بذور نبتة (الزريجة) ويضعون عليها ملحا بعد ان يرطبوها، ويقلوها في مقلاة من غير دهن، ثم يتناولونها بمفردها او مع التمر، الذي يتزودون به من العراق على ان لا تكون البذور في هذه الحالة مملحة أو يطبخونها مع الماء، فتترك في القدر حليبا ابيض، هو عبارة عن الزيت المخزون داخل البذور، وعندما ينضج يثردون به ويأكلونه، ومن الطبيعي ان لا تكون هذه الاكلة هي الحالة السائدة في بيت ابراهيم، حيث الاغنام والابقار والابل بأعداد كبيرة.
هطلت الامطار مدرارا بعد رحيل المنبوذ، وصارت الاغنام تلد مرتين في العام الواحد.
قال محمود مخاطبا جده:
ـ اتعرف، يا والدي، منذ ان غادرنا المنبوذ حسقيل، صارت الدنيا كأنها تمطر خيرا علينا، بعد ان واجهنا احتباس الامطار سنوات بعينها او اشهرا كثيرة من سنين بعينها.. بل حتى اغنامنا صارت تلد مرتين في السنة؟! ويجيبه ابراهيم:
ـ نعم، يا ولدي، انه خير من الله لدنيانا، لكن خير الآخرة لمن يعملون صالحا افضل، واكثر ديمومة، حيث ضيافة الرب الرحيم.
ويجيب محمود ويوسف وأم الخير:
ـ آمنا بالله، ولا اله الا الله والله اكبر..
ثم يقول يوسف موجها كلامه الى جده:
ـ لاحظت ان حسقيل ازداد سوءا بعد سفرته الطويلة التي ذهب فيها الى بابل، حيث سمع قصصا كثيرة من بقايا من سباهم البابليون الى هناك، كما افضى لي، ومنهم عدد من الكهنة، قال انهم من سلالة من حجزوا كأسرى، وحرم عليهم في حينه الخروج خارج اسوار المدينة، وقال حسقيل انهم يفهمون في شؤون الدين وانهم تعلموا السحر هناك، وهم من بقايا سلالة اولئك الذين جاء بهم اسرى قائد البلاد نبوخذ نصر.. اي ان اجدادهم، وفق ما اوضح لي حسقيل، كانوا يسكنون ارضا مجاورة لارضنا هذه، هي في الاصل من اراضي بلاد الشام، كانوا قد اغتصبوها من اهلها الاصليين او انهم وسعوا ديارهم على حساب جيرانهم، حيث عندما غزاهم نبوخذ نصر ودمر معابدهم واسر دهاقنتهم، لم يهب لنصرتهم احد من المجاورين، بل ان حسقيل قال لي، وفق ما سمع منهم في مدينة بابل العظيمة، ان السكان المجاورين في بلاد الشام، رحبوا بما قام به نبوخذ نصر ضدهم.
قال ذلك يوسف، وفي نفس الوقت كأنه اراد ان يوجه سؤالا الى ابراهيم:
ـ ولكن لماذا تصرف سكان البلاد المجاورة بعدم مبالاة ازاء احتلالهم من نبوخذ نصر؟ بل لماذا ناصروه في حقيقة الامر عليهم؟
اجابه ابراهيم:
ـ ان اولئك القوم، مثلما اعرف عنهم، قوم انانيون، ودورهم استغلالي استئثاري ازاء من يجاورهم او يخالطهم، بل غالبا ما كان عدوانيا استحواذيا، لذلك غالبا ما كانت الشعوب التي كانت تخالطهم او تجاورهم، تكرههم او تمقتهم، فضلا عن ان شعوب بلاد الشام شعوب عربية، يا ولدي.. وان شعب بلاد بابل عربي، وعندما يكون الدم واحدا ويجري في مجرى واحد، يكون شعوره واحدا ايضا.
عاد يوسف ليقول:
ـ كنت قبل ذلك الوقت اختلف مع حسقيل في امور كثيرة قبل سفره الى بابل، لكن بعد سفره وعودته منها، لم اجد مجالا او شيئا يمكن ان اتفق معه عليه، بل لعلي وجدته على دين آخر واجتهادات ما انزل الله بها من سلطان، وهي في كل احوالها، وفي الحال التي توصف بأقل ما يمكن من السوء، ليست الدين الذي علمتنا اياه، وصار اجتهاد حسقيل يتم بعيدا عن المنطلقات والمرتكزات التي علمتنا اياها وامرتنا بها وفقا لدينك الحنيف.. وقد لاحظت ذلك ليس اثناء حوارنا على امور بعينها، وانما لاحظته عندما كان يرشد من تحيلهم الينا لنوجههم في الايمان والحكمة، وعندما كنت اصحح له، كان ينهرني ولا يصغي لملاحظاتي، وكنت اسكت على مضض، باعتباره الاكبر سنا وقد اخطأت لانني لم افض بذلك اليك، لانني خشيت ان اخلق مشكلة بينكما، بأمل ان يرعوي ويعود الى رشده، ولكنه بدلا من أن يعود إلى رشده ارتكب جريمته القبيحة مع ابنة شيخ القبيلة، الرجل الكريم، الطيب الشجاع.
ثم يعود ليقول بعد ان يسكت برهة:
ـ سوّد الله وجهه في الدنيا قبل الآخرة، بعد ان اخزانا بفعله السيئ.
ويقول الجميع ابراهيم وحليمة ومحمود:
ـ آمين يا رب العالمين..
ثم يتساءل محمود: لقد لاحظت انني اختلف مع يوسف ايضا في اجتهادي وما افتي به في شؤون الدين والدنيا.. فهل هذا صحيح؟ ام لك وجهة نظر اخرى، يا والدي؟
* هامش:
1 ـ الطاسة، آنية من النحاس لشرب الماء.
وفي الحلقتين السابقتين، دارت حوارات بين الجد واحفاده حول مفهوم الثروة، واوضح كل منهم ما الذي يعنيه له. وتنكشف خلال ذلك أطماع حسقيل في التفرد بالثروة، ورغبته في الانفصال بما يملكه مما ادى الى نبذه من الجميع.
راح ابراهيم يتأمل في النجوم وهم يجلسون خارج بيت الشعر في بداية الليل، ورغم ان تلك الايام كانت الايام الاولى من الشهر العاشر (تشرين الاول) فقد كانوا جميعا يرتدون كنزات (فروات) (1) صوفية من غير اكمام، تصل الى ما تحت الخصر بقليل، عكس فروة الشتاء التي تكون بأكمام وتكاد تلامس الارض عندما يرتدونها، وغالبا ما تستخدم غطاء في النوم المنفرد، الا حليمة فإنها تبقى على هذا النوع من الفروات القصيرة من غير كم، لتسهل لها مهمة العمل والحركة داخل البيت، ولأنها بحكم استقرارها في البيت يكون تعرضها للبرد اقل منهم.
كان الجميع يرتدون فروات قصيرة.. اتقاء لنفحات برد الشهر العاشر، لكنهم كانوا يتمتعون بطراوته ولا يدخلون بيت الشعر الا عندما ينامون، ومن ينام خارج البيت لا بد ان يحتاج الى دثار.

كانت نفحات البرد تأتي معلنة تغير الطقس، بعد ان عبر الشهر الاول من الخريف وصاروا في شهره الاوسط: العاشر.. كانت عينا ابراهيم تتقلبان في السماء بعد ان سمع سؤال محمود، كأنه يستنجد بالله ان يهديه الى الجواب الصحيح، في الوقت الذي يتأمل عظمة شريعته وقانونه، وهو ينظر الى السماء التي رفعها رب السموات من غير عمد، وزينها بالنجوم هادية ورجوما للشياطين.. ثم ينتقل ابراهيم بنظره الى الابل والماشية.. يتأملها ويتأمل ما فيها من تسهيلات خلقها الله للانسان.. ثم يقول بلغة مليئة بالثقة مع الايمان:
ان الاساس، يا ولدي، ان نؤمن بإله واحد، هو الله، سبحانه وجلت قدرته.. انه ربنا وخالقنا، ولا اله آخر غيره.. واننا له مسلمون مشيئتنا وفعلنا وعبادتنا له سبحانه وليس لغيره.. وان اقامة العدل والانصاف وقول الحق والعمل به ورفض الباطل والسعي في الارض في علاقاتنا الانسانية، معمرين لها لا مفسدين، هو سبيلنا، ولذلك عليكم ان تتذكروا شريعتي وما علمتكم اياه قولا وفعلا، وبعد ذلك، لكم ان تجتهدوا، على ان تراعوا وانتم تجتهدون، ان يكون اجتهادكم، اذا اضطررتم، منزها من الهوى وعلى اساس الضرورة الملجئة لما تقتضيه الحياة ويستوجبه الدين، وليس محض بناء طريق مختلف بين طرق مطروقة، ليعرف صاحبه فيه، وان لا يرتب الاجتهاد او ينشئ حقا من باطل او يلغي ويزور حقا ثابتا، وان لا يكون تعبيرا عن ضجر او خوف او مراءاة ونفاق او تعبيرا عن غضب او رغبة في الحاق اذى بآخرين وان يكون اتكالكم بعد ذلك وقبل ذلك، على الواحد الاحد.. وان النية والهدف الصادقين حالة فاصلة وان الامانة والدعوة لها والعمل بها واقامة العدل والحج الى بيت الله لمن استطاع اليه سبيلا، ضرورية كلها وان التوفيق بعد ذلك من الله القادر الحكيم.
عاود ابراهيم التأمل في الطبيعة.. ثم قام وصلى.. ودعا حليمة وولديه لأن يصلوا ايضا..
بعد ان انجزوا صلاتهم، جاءتهم حليمة بما قسمه الله من المطبوخ من طير (الحبر) الذي اصطاده محمود بعصاه او سهامه، وهو يباري رعاة الإبل والغنم في المرعى.
بعد انتهائهم من العشاء وجدوا انهم بحاجة الى ان يوقدوا نارا.. كانت السماء صافية، تسطع فيها النجوم التي تستطيع عين الانسان ان تكتشفها وتمتد اليها.. وراح محمود ويوسف يتباريان في ذكر اسمائها، وراح ابراهيم يصحح لهما ما يخطئان فيه او يضيف الى معلوماتهما ما لم يهتديا اليه.
قال محمود.. بعد ان استأذن جده:
ـ أليس من الافضل ان توزع الاتجاهات بيننا بصورة اسمية، يا والدي؟.. توزعها بيني وبين يوسف، لكي يعرف كل منا حدود مسؤوليته في ما يدعو اليه الناس، مبتدئين بالعرب، حيث هناك العراق، الى الشرق منا، وعلى مقربة منا بلاد الشام، وبعدها الحجاز ونجد واليمن.. أليس من الافضل، ومنعا للتداخل ان تقول لكل واحد منا اين يتجه في نشاطه، ليعرف كل منا سبيله؟
قال ابراهيم:
ـ نعم، اقول ابتداء ان اهل نجد والحجاز واليمن والعراق، عدا نينوى، من حصتك يا محمود، اما اهل نينوى في العراق، وكل بلاد الشام، عدا ارض الجزيرة الملاصقة للعراق، فهي من حصة يوسف، واعود لأكرر، ان هذا التقسيم اسمي وليس مطلقا، وهو الى حين وليس دائما، ولاغراض النشاط وتوجيهه وليس لاغراض الاختلاف وفي كل الاحوال، فأي اختلاف بينكما، يجب ان يكون الحكم الفاصل فيه شريعتي وما يرضي الرب الرحيم، وان تتذكرا انكما ابنا عم، وان تبعدا عنكما الشر وحكمه والطمع ومهاويه وان تبقيا الشيطان بعيدا عن صدريكما وعقليكما وان تتنزها عن الهوى وان تبعدا فتن الاجنبي عنكما وطريقة فهمه للدين.. وان تحذرا حسقيل لئلا يلوث دينكما بالهوى والطمع ويحرف طريقكما.
هنا سأل محمود جده ابراهيم:
ـ قلت ان نبتعد عن فتن الاجنبي بيننا.. وهذا مفهوم، لكنك قلت (وفهمه للدين وطريقة او طرق التعبير عن الدين، على اساس هوى الاجنبي او فهمه).. أليس دينك وشريعتك انسانيين يتعديان امتنا ويتوجهان الى أمم الارض كلها ام انهما قوميان فحسب؟
تأمل ابراهيم في وجه محمود وهو يبتسم بحبور واضح، وقال:
ـ نعم، يا ولدي، ان ديننا وشريعتنا انسانيان، لكن امتنا هي قاعدتهما الاساس.. وهذا ما اراده الله سبحانه ولذلك فان ما يختمر في القاعدة، يا ولدي، في روحه وبنائه، هو الاساس وان توجهنا في

 







توقيع :

  رد مع اقتباس