الإيدز هل يغزو بلادنا العربية ؟
لا يزال طاعون العصر القاتل يحصد الملايين سنويًا حول العالم من المتمردين على الفطرة، ولا تزال الإصابة بالإيدز تتسع يومًا بعد يوم مع تسجيل (11) ألف إصابة جديدة يوميًا، ووفاة قرابة ثلاثة ملايين مصاب سنويًا، فبمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الإيدز يؤكد تقرير الأمم المتحدة أن هناك (39.5) ملايين شخص مرضى بالإيدز في العالم بينهم حوالي (25) مليون مصاب في إفريقية وحدها.
وقد بلغت نسبة الزيادة في انتشار الإيدز (4.3) ملايين إصابة جديدة بالفيروس العام 2006.
ومنذ خروج مرض "الإيدز" إلى دائرة الضوء في منتصف ثمانينيات القرن الماضي أجمع الأطباء على حقيقة مهمة، وهي أن هذا المرض الذي يُعرف باسم طاعون العصر الحديث ميؤوس منه، ومن يُصاب به مصيره القبر لا محالة بعد فترة من المعاناة الرهيبة قد تطول أو تقصر.
فلم يترك العلم الحديث بابًا لحل مشكلة هذا المرض دون أن يطرقه.. لكنه لا يزال عاجزًا حتى الآن عن مواجهته، وأقصى ما توصل إليه أدوية تؤخر ظهور مضاعفات المرض أو أعراضه.. أما القضاء على الفيروس في دماء حامليه فلا يزال ضربًا من ضروب الخيال بسبب الطبيعة المتغيرة لفيروس الإيدز، وهذه الطبيعة تجعله يغير شكله وخواصه باستمرار، ولا يُستدل على وجوده سوى من أجسام مضادة يفرزها جهاز المناعة في الجسم ..
تزايد الإصابة في الدول العربية
تشير منظمة الصحة العالمية إلى تصاعد انتشار الإيدز في عدد من الدول بإقليم شرق المتوسط وشمال إفريقية.. ففي مصر، أكبر الدول العربية تعدادًا، على الرغم من أن إجمالي عدد الحالات المصابة بمرض الإيدز وفيروس HIV)) المسبب للمرض في مصر ، وصل إلى (٢١١٥) حالة تم الإبلاغ عنها بوزارة الصحة منذ عام ١٩٨٦؛ إلاّ أن برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز (يو ان إيدز) يرى أن معدل الإصابة أكبر بكثير في دولة يضاهي عدد سكانها (٧٧) مليون نسمة، مشيرًا إلى أنه قدّر عدد المصابين بفيروس (HIV) المسبب للإيدز بـ (١٢) ألف شخص في عام ٢٠٠٣ في مصر.
واستشهد التقرير بـ «التقييم العام» لمصر الذي تشرف عليه الأمم المتحدة، والذي أشار إلى أن ٦٤% من الإصابات بفيروس (HIV) في مصر سببها العلاقات الجنسية، بينما كانت نسبة الإصابة بسبب عمليات نقل الدم ٣١%.
ولفت التقرير إلى أنه يجري فحص المتبرعين بالدم في مصر تحسبًا لوجود إصابة بفيروس (HIV)، ومن ثم تم استبعاد عمليات نقل الدم كمصدر لإصابات جديدة غير أن الأطباء ما زالوا يشتبهون في أن كثيرًا من الناس يُصابون بالتلوث جراء «الإبر» غير النظيفة التي تُستخدم في الحقن الطبية الروتينية.
وأضاف التقرير: «الإحصاءات الرسمية تسجل عددًا ضئيلاً للغاية من الإصابة، جراء نقل المرض من الأم إلى الطفل، في حين تشير إلى أن الإصابة تكاد تكون منعدمة بين الشواذ من الرجال».
ونبه التقرير إلى أن نحو ٨٠ % ممن تم تسجيل إصابتهم بفيروس (HIV) في وزارة الصحة المصرية هم من الرجال، مستدركًا بأن الخبراء يرون أن تلك الإحصائية مضللة؛ لأنها غير قائمة على فحص قطاع عريض ومتشعب من المجتمع المصري، مرجعًا السبب إلى أن احتمال تقدم المرأة لتوقيع الفحص عليها أقل من الرجل.
عشرة آلاف حالة في السعودية
وفي المملكة العربية السعودية أكد مدير منظمة الصحة العالمية في السعودية عوض أبو زيد تفاقُم مرض الإيدز في العالم وإفريقية، لافتًا النظر إلى أن أوضاع المرضى في المملكة العربية السعودية جيدة بالنظر إلى العلاج المجاني والفحص والمتابعة.
وتشير الإحصاءات إلى أن عدد الحالات المصابة بالإيدز والمكتشفة في السعودية منذ عام 1984م وحتى نهاية 2005م هي (10120) مصاباً منهم (2316) سعودياً بنسبة 22.9% وغير السعوديين (7804) بنسبة 77.1%.
وفي دراسة سعودية أجراها فريق علمي برئاسة د. طارق مدني على (6046) حالة تم اكتشافها خلال الفترة من 1984م وحتى 2001م وُجد أن أكثر الحالات في مدينة جدة يليها مكة المكرمة، ثم جازان ثم الدمام ثم الرياض.
في عام 2005م تم اكتشاف (1201) حالة جديدة منها (311) سعودي.
وبلغت نسبة الرجال للنساء وسط السعوديين للحالات المكتشفة 1.3 تقريبًا.
وقد قامت وزارة الصحة السعودية بتنفيذ البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز بهدف توفير المعلومات الصحيحة عن المرض وتوحيد آلية التبليغ والنماذج المستخدمة والإجراءات المتخذة، إضافة إلى متابعة المخالطين المباشرين للحالات، وإجراء الفحوص الدورية، وتقديم المساعدة الممكنة للحالات المصابة وأسرهم، والتوسع في نطاق تقديم النصائح والمشورات وتوزيع المطبوعات التوعوية.
وعلى مستوى مجلس التعاون تم اعتماد استراتيجية خليجية لمكافحة الإيدز ترتكز على تكثيف جهود التوعية وتقوية الوازع الديني. كما تم اعتماد اللائحة الخليجية للفحص الطبي على العمالة الوافدة للتأكد من خلوهم من هذا المرض وغيره.
وقد قامت وزارة الصحة السعودية بتوظيف بعض من مرضى الإيدز في المجال الإداري في بعض المرافق الحكومية بالتعاون مع بعض المؤسسات الأهلية.
ويتم حاليًا دراسة إدخال فحص الإيدز ضمن فحوصات ما قبل الزواج اعتبارًا من صيف العام القادم 1428هـ.
وفي المغرب حذّرت العديد من المنظمات غير الحكومية المغربية من النسب المقلقة لانتشار مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز بالمغرب بعد أن تم تسجيل ما بين (16) ألفًا و (20) ألف حالة حاملة لهذا الفيروس.
وعزت وثيقة صادرة عن وزارة الصحة المغربية انتشار مرض الإيدز في المغرب إلى غياب التوعية بالأمراض الجنسية والفقر والأمية والهجرة الداخلية والخارجية.
هذا في الوقت الذي يُعدّ فيه السودان البلد الأكثر تأثراً بالإيدز والعدوى بفيروسه في الإقليم، وترتفع العدوى إلى أعلى معدلاتها في الجنوب، وإن ظهرت مؤخرًا دلائل على أن الفيروس المناعي البشري قد يكون موجودًا في الشمال أيضاً بمعدلات تفوق ما كان يُعتقد في السابق. فمن بين النساء المترددات على عيادات الأمراض المنقولة جنسيًا عام 2004، ثبتت إصابة 2% منهن بالفيروس، كما سجلت نسبة انتشار قدرها 1% بين طلاب الجامعة والنازحين نزوحًا داخليًا في ولايات الجنوب والشمال على حد سواء.
توعية ورقابة
بقي أن نقول إن تلك الإحصاءات تدق ناقوس الخطر في بلادنا العربية والإسلامية من انتشار هذا الوباء القاتل بها؛ على الرغم مما أنعم الله عليها من قيم ودين يحفظها من انتشار هذا الطاعون والذي يسببه في المقام الأول العلاقات الجنسية المحرمة والمخدرات، لكن انتقال العدوى عن طريق نقل الدم الملوث يحتم على الدول العربية أن تحرص على بذل الجهود الصحية للتوعية والرقابة على بنوك الدم، والتشديد على الرقابة الصحية بالمستشفيات والرقابة على السائحين الأجانب.
بالإضافة إلى التوعية المستمرة لشبابنا بالالتزام بالسلوكيات القويمة والعفة التي يحض عليها الإسلام من خلال تجنب الزنا واللواط، وحكم الإسلام معروف في تحريم اللواط والسحاق والشذوذ الجنسي، وهو ما حذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- من اقتراف الفاحشة؛ لأنها ستكون سببًا في ظهور كثير من الأمراض التي لم تظهر من قبل؛ فقد روى ابن ماجة عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهم، قال: أقبل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها؛ إلاّ فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا". (ابن ماجة)
حفظنا الله وإياكم من كل مكروه وأسبل علينا ثياب الصحة والعافية ودمتم برعاية رب العزة والجلال