عرض مشاركة واحدة
قديم 06-28-2005, 12:46 PM   رقم المشاركة : 6
عضو نشيط





كحيلان غير متصل

كحيلان is on a distinguished road


 

مشاركة: روايه صدام حسين ( اخرج منها يا ملعون) حصرياً

الجزء السادس
افتعل حسقيل العفّة ذات ليلة، مدعياً أنه منشغل بأفكار كلها خطيرة، وعندما سألته زوجة الشيخ:
ـ ماذا بك، يا حسقيل؟
ـ قال:
ـ ان فكري منشغل باحتمال أن تخبر ابنتك أباها الشيخ، عندما يعود، وعندها سنكون، أنا وأنت، أمام وضع خطر.. بل سيكون حكمنا معروفاً مسبقاً، ومصيرنا إلى موت محتّم.
وعندما تحاول أن تثنيه عن هذه الهواجس وتقول له.. إن ابنتها لن تقول شيئاً لأبيها.. يقول لها: بل ستقول له، وحتى لو تغاضى عن هذه الحال، فإن أعمامه لن يتركونا سالمين.
وعندما تسأله: ما الحل؟ يقول لها: إن الحل الوحيد الذي يجعلنا في أمان هو أن أغويها وأراودها عن نفسها.
وعندما تجفل زوجة الشيخ لوقاحته وخروجه عن المألوف، يقول لها: هوّني عليك، أنا لا اقصد أن أفعل معها ما أفعله معك، إنما قصدي أن تتعلق بي، وأن أقبّلها، وأن تنام معي في الفراش من غير أن أنال منها، وضمن توقيت بعينه نتفق أنا وإياك عليه، تداهميننا لتريها وهي معي في الفراش، وعند ذلك تعنّفينني وتعنّفينها، لكي تستمر علاقتنا، أنا وأنت، مثلما هي عليه الآن، وتكون عين ابنتك قد (كسرت)، ولا تكون بعد ذلك قادرة على إفشاء سر علاقتنا لوالدها.. أليس الاشتراك في الجرم يقود إلى الحرص على عدم كشفه؟!.
وعندما قال (الاشتراك في الجرم) ادرك غلطته.. لكن ليس كاللسان مما لا يمكن تفاديه عندما ينفلت.

***

وصل شيخ قبيلة المضطرة إلى مكان قريب من الحافة القريبة لمكان انتشار القبيلة المختارة، وحيثما نبهه أحد رجاله إلى ذلك، أمرهم بالمسير، حتى صاروا ملاصقين لمسرح ابل القبيلة المختارة..
أمرهم الشيخ أن ينزلوا من فوق ظهور الجمال، بعد ان تبرك كل في المكان المخصص لبناء البيت الذي يعود لصاحبه، لكن بدلاً من أن تكون هناك عائلة في كل بيت جعل في كل بيت مجموعة من الرجال حيث لم ترافقهم نساء ولا أطفال، إنما فرسان قادرون على حمل السلاح والقتال فحسب.
فعل الرجال ما أمروا به، بعد ان حدد شيخ القبيلة مكان بيته وأماكن بيوت قومه ووجودههم على يمين ويسار بيته، وأمرهم بأن لا ينسوا، وهم يبنون بيت الشعر، أن يجعلوا (الربعة) (2)، أو الديوان من جهة شروق الشمس، في الوقت الذي يكون الطرف الآخر للبيت باتجاه مغيبها، سواء كانت قبلة البيت شمالا أو جنوبا.. وعندما يعترض احدهم بالقول إن ليس معنا عوائل، يا شيخ، ينهره الشيخ ويقول له:
ـ أتريد أن تغير عاداتنا وعادات العرب، يا حمار، لمجرد أننا وضعنا أنفسنا ضمن خطة جديدة لمداهمة العدو؟، ثم لو غيرت طريقة بناء بيت الشعر، فإن أي عابر سبيل سيكتشف حالتنا الشاذة، وعندها قد يقول إنهم ليسوا من أهل الديرة، أو دخلاء عليها، مما ينبه شيخ القبيلة المختارة وجماعته، ويجعل من الصعب علينا مفاجأته.
حط الرجال الأثقال عن إبلهم، وباشروا في بناء بيوت الشعر، وما أن تم بناء بيت شيخ القبيلة، وعدد من بيوت شيوخ القبيلة الأدنى مرتبة منه، حتى لاح لهم من بعيد خيال قافلة قادمة، ليس فيها خيول ولا جمال، إنما عدد من الحمير، قال ذلك من استطاع أن يراها من مسافة أبعد فحسب، وقد استنتجوا ان عدد العوائل في القافلة ربما لا يزيد على عشر.. وأراد بعض الشباب أن يستقبلوا القافلة على مسافة من ديارهم، ليبعدوا مسارها عن المكان الذي حطوا فيه، بعد ان امرهم شيخ القبيلة بذلك، إلا أنه انثنى بعد أن قال أحد الشيوخ:
ـ لو فعلتم ذلك، ربما ستثيرون اهتمامهم بنا أكثر، وربما حتى شكوكهم وهواجسهم إزاءنا.
بعد دقائق جاء مقدمهم، وسلم على شيخ القبيلة، قائلا:
ـ تشرفنا يا شيخ القبيلة المضطرة.
كان شيخ المضطرة يعرف هذا الرجل، ويعرف أنه وجه لناس من الغجر، الذين غالباً ما كانوا يتنقلون بين القبائل، لترقص نساؤهم عند من يستدعيهن لذلك، وغالبا ما يكون بيت أكبر شيخ في القبيلة مكانا للرقص، ثم يتناوب من بعده شيوخ القبيلة على استدعائهم لحفلات في بيوتهم، بعد ان يستأذنوا الشيخ الكبير. وهكذا حتى ينتهوا من ذلك، وبعدها يتحولون الى قبيلة ومنازل اخرى، ومن هذا يعيش الغجر ولا يعملون أبداً بأي نوع من أنواع العمل، إنما يمتهنون الرقص فقط، يرافق الرجال النساء إلى حيث يستدعين.. وعندما يبدأن الرقص، تكون شعورهن مغطاة بـ (الفوط) (4)، ولا تنزع أي منهن فوطتها، إلا عندما تترك إحداهن فوطتها لدى شيخ القبيلة، تقديرا له، ولإشعاره بأنها عائدة إليه بعد فاصلة الرقص، أو ينهض من ينهض إلى أي منهن ليطلب فوطتها، أو يؤشر لها بيده لتفعل ذلك، ومن تكون فوطتها عنده يعني انها ستجلس قربه بعد انتهاء فاصلة الغناء والرقص، ويتكرر الحال مع تكرار فواصل الغناء والرقص حتى مطلع الفجر.. ويرتاح الغجر وينامون في النهار، ويسهرون في الليل، ويتنقلون في البادية أو الريف، أو يحطون على اطراف المدن، ولا احد يؤذيهم، أو يغزوهم، أو يجبرهم على عمل لا يرغبون فيه، أو يجبر نساءهم على امر لا يرغبن فيه، هذا ما كان عليه حالهم، في تلك الايام والى وقت ليس ببعيد، اما الآن فقد اختلف حالهم، حيث صارت حفلاتهم الاساس في المدن، في بيوت من يستطيعون دفع المال لهم، وبالذات من يملكون مالا حراما يشوي البطون في الآخرة، ويخزي اهله في الدنيا، بعد ان جمعه من يأكلون السحت بعمليات مضاربة، أو بصفقات مريبة، أو تجارة لا تكتفي بحدود الله من الربح، أو أكل مال يتيم أو فقير، أو جراء سرقة ينتظرهم عقابها في الدنيا بقطع اليد أو العنق، عندما يكتشف امر السراق، أو الحبس الثقيل في الاقل، وصارت بعض نساء الغجر لا يتعففن عن الانحدار مع من ينحدر الى الفواحش على اساس عوامل دوافعها واغراءاتها، وصار ما يعد عيبا وعارا وشنارا على من يعتدي على غجري، يجري احيانا ولا يحس اصحابه بتعذيب ضمير أو برادع من المجتمع، على نفس ما كان يحصل ايام زمان، باعتبار ان الرجل ينتقص أو يذم ان هو نازل أو اعتدى على من هو ليس بكفء له.. وقد ساهم في اضعاف هذا الحاجز النفسي لدى الرجال ان الغجر، مثلما ترتبت لهم التزامات وفق القانون، بعد ان استقروا وتخلوا عن حياتهم السابقة، ومنها حياة الترحال والتنقل المستمر من غير ان يستقروا في مكان بعينه، صارت لهم الآن حقوق وواجبات مساوية لحقوق وواجبات الآخرين، طبقا للقانون، ومنها الخدمة العسكرية التي كانوا معفيين منها، ولكنهم في العراق، مثلا قلما تكون لهم واجبات قتالية، وفق ما نعرف، وانما يقومون في الغالب، وعلى اساس تشبثهم بأعمال الخدمة في مقرات بعض الآمرين، وربما حابى بعضهم الآمرين خفيفي الوزن باحياء حفلة رقص له، عند تمتعه بالاجازة.. الخ، ونساؤهم في العادة لا يسمحن للرجال بما يخزي اكثر، في تلك الايام، غير ما يقمن به من غناء ورقص.. وعندما نقول ان احدا لا يؤذيهم في الزمن القديم ولا يغزوهم، ذلك ان العرب لا يعدون الغجر قرناء صالحين أو اكفاء لهم، ولذلك كانوا يعيبون من يتزوج منهم، أو يغزوهم، ومن هذا كانت حريتهم في التنقل ليلا ونهارا، وبين قبيلة وأخرى، أكثر من حرية اي شخص وأي قبيلة من قبائل العرب..
ورغم ان كل الشيوخ الذين كانوا مع الشيخ الكبير ارتابوا من الغجر، وان شيخ القبيلة اظهر انه يرتاب منهم ايضا، ولكنه في حقيقة امره سر بوجودهم.. وكان سبب الارتياب ان الغجر عندما يكونون اليوم معهم فانهم قد يرحلون غدا الى القبيلة المختارة، و(من طباع الغجر انهم ينقلون ما يرونه، الزين والشين، والجيد والسيء، على حد سواء) ـ هكذا قال احدهم وهو يعلن عدم ارتياحه لمجيء الغجر اليهم، ولكن الشيخ قال لمقدم الغجر:
ـ حطوا هناك ـ واشار عليه بمكان على مسافة قريبة من بيته من جهة مغيب الشمس ـ لتكونوا الطرف الغربي لمنزل القبيلة، ولا يكون لأي من القبيلة بيت متداخل معكم أو بعدكم من جهة المغيب.. وخذوا شاة، فاذبحوها وتعشوا بها، واعفونا من مهمة تضييفكم، ذلك لأننا في حالة رحيل..
سأله الغجري:
ـ اترحلون ليلا، يا عم؟
فأجاب الشيخ:
ـ لا، لقد وصلنا قبلكم بقليل، وعندما نكمل نصب البيوت سوف نستدعيكم الى حفلة رقص..
ما ان أخذ مقدم الغجر الشاة من بين عدد من الشياه تعود الى شيخ القبيلة، وقادها الى حيث نزل جماعته، وفق ما أمرهم الشيخ، حتى عنَّ له ان يذهب على الفور الى شيخ القبيلة المختارة تحت غطاء جلب خبز من هناك لتناوله ثريدا مع لحم الشاة، حيث لم يزودهم به شيخ القبيلة المضطرة، وهناك من يفضي الى شيخ القبيلة المختارة بما رآه واستنتجه لينال رضاه وكرمه..
قال مقدم الغجر في نفسه وهو يخاطبها بصوت مسموع:
ـ ان شيخ القبيلة المختارة افضل من هذا الشيخ، وهو وقبيلته اكرم من هؤلاء، واذا كان هذا قد اكرمنا اليوم لأمر اراده في نفسه، فانه سبق ان طردنا من دياره اكثر من مرة، ولم يعطنا ما نأكله، حتى عندما نرقص ونغني له لا يعطينا شيئا ذا قيمة، ثم ان هذا الشيخ جاء هو ورجال قبيلته ليغدروا بالقبيلة المختارة، وليس ادل على هذا مما رأيته، حيث لا نساء ولا اطفال برفقتهم، وانما رجال وسيوف ونبال.. الخ. انهم ينوون ان يأخذوا القبيلة المختارة على حين غرة وغفلة، لذلك عندما ابلغ شيخها، سيكرمنا، وستكون لنا دالة عليه.. وسأقولها له بمفرده، واشدد عليه ان يكتمها لكي لا يؤذينا شيخ القبيلة المضطرة فيما بعد..
ثم يعود ليقول:
ـ نعم، علي ان اقوم بهذا على الفور، لكي لا تفوتني الفرصة، وقد تفوت القبيلة المختارة فرصة الاعداد والتهيؤ لمواجهة العدوان..
ذهب من فوره الى هناك، واختلى بشيخ القبيلة المختارة، وابلغه بما رأى، وقال له استنتاجاته.
شكره شيخ القبيلة، واكرمه بكيس صغير فيه قطع ذهب، ووعده بما هو اكثر، وهيأ له كمية من الخبز، امر بجمعها من البيوت المجاورة لهم، كغطاء لعودته الى حيث مكان تجمع رجال القبيلة المضطرة، فيما لو رآه احد رجال القبيلة بعد عودته الى هناك.

***

اعد رجال القبيلة المختارة انفسهم لمواجهة نوايا المضطرة، وأمر شيخ القبيلة المختارة رجاله بأن يتجنبوا الاحتكاك برجال القبيلة المضطرة.. ولا يعطوهم بأي شكل من الاشكال فرصة ايجاد غطاء لعدوانهم، لاقامة الحجة عليهم، وقاموا بسلسلة من الاجراءات أهمها ان الشيخ أوعز للنساء بأن يسرحن بالاغنام والابل بدلا من الرجال في الاتجاه المضاد للاتجاه الذي اعتادوا ان تسرح مواشيهم فيه، وان يكون دونهن الرجال على ان يخلى الصف الامامي القريب من القبيلة المضطرة من بيوت الشعر من ساكنيها، ويحتشد الرجال حاملو النبال معززين بالرماح في بيوت الشعر في الصف الذي يلي الصف الامامي، والصف الآخر الذي يليه، فيما يحتشد الفرسان على خيولهم خلف ذلك المنزل في الوديان الكائنة الى الخلف وعلى يمين ويسار أماكن (بيوتنا هذه) واشار بيده الى ما قصده.. وما ان حل الصباح، وقد تعمد مقدم الغجر ان يجعل كل رجال القبيلة المضطرة يسهرون مع فرقته وهم يستمعون الى غنائها، ويحتسون الخمر، ويتمتعون بمنظر الرقص والحركات البهلوانية لمن يقوم بها حتى الصباح، وكان آخر بيتي (نايل) رددهما مقدم الغجر على الربابة:
احوف من حبني مثل ما يحوف الذيب واجيب (اجلب) علم الصدك (الصدق) بلكي الجروح تطيب..
وقال ايضا:
الدرب ما كلفس المجبل على حبابو سلام زين الوصف ريح الهوى جابو وبعدها خرج مقدم الغجر من دار شيخ القبيلة الذي من فوره امر اصحابه بأن يمتطوا خيولهم، ويغيروا على ديار القبيلة المختارة..
لم يواجه رجال المضطرة في طريقهم الى القبيلة المختارة، ابلا ولا اغناما، فاستمروا يغيرون باتجاه بيوت الشعر، وعندما لم يجدوا احدا في الصفوف الامامية لبيوت الشعر، بما في ذلك بيت الشيخ وهو أكبر البيوت، تصوروا ان القبيلة خافت منهم، عندما علمت بوجودهم قربها، وهرب رجالها هائمين على وجوههم بمواشيهم، تاركين البيوت على حالها هي وما فيها من غنائم. ولأن اساس غزوهم وفي المقدمة شيخهم هو السلب والنهب والاستيلاء على الاسلاب، فقد نزلوا من فوق ظهور جيادهم، بمن في ذلك شيخهم، وكل منهم يسابق الآخر في الاستيلاء على بساط هنا أو فراش هناك، أو كيس تمر أو طحين، أو كمية ضئيلة من شعير أو ذرة، أو (عكة) زيت أو زيتون، وكل يضع على ظهر فرسه ما يستولي عليه، الا ثلة قليلة من الفرسان الذين رأوا غبار الماشية في الافق البعيد، فانطلقوا باتجاهها، وما هي الا لحظات، بعد ان قدر شيخ القبيلة المختارة ان القسم الاكبر من القبيلة المضطرة قد ثقل عليه حمله، حتى امر فرسانه المختبئين في الوديان ان انطلقوا. وبدأ رجال النبال والرماح ينقضون عليهم من كل ناحية، كل منهم حسب واجبه ونوع سلاحه.. وعمل السيف والاسلحة الأخرى في رقابهم، وفي الوقت نفسه، عزلوا الفرسان الذين انطلقوا معقبين الماشية والابل، وافرزوا لهم مجموعة من الخيالة لتعقبهم، وتستولي عليهم اسرى هم وخيولهم، فاعملوا السيف في رقاب الآخرين، وقتلوا منهم خلقا كثيرا، واستولوا على ما يملكون، واسروا اعدادا منهم، لم يطلق سراح اي منهم، الا بفدية مغرية لصاحبه الذي اوقعه في حبائل الاسر، مع حصة معلومة للشيخ في كل ذلك.
وهكذا نصر الله، اصحاب الحق المعتدى عليهم على اصحاب الطمع والضغينة والغدر، ولم ينج منهم الا ما يعادل ثلث العدد، ولوا هاربين، بعد ان رأوا شيخ القبيلة المضطرة يرمي ما حمل فرسه به من غنائم وقد هرب فوق ظهر فرسه قبل ان يجرب سيفه، عندما وجد نفسه في ذلك الموقف الشائك..
نعم، هرب شيخ المضطرة، وهل من مفر غير الهرب من الموت حتى لو كان ذلا لمن يفكر بالحياة على قاعدة ما هو ضعيف وخاسئ، وليس من بين اهدافه ما يعز ليعلي النفس والاعتبار

 







توقيع :

  رد مع اقتباس