عرض مشاركة واحدة
قديم 11-08-2006, 08:00 PM   رقم المشاركة : 17
عضو مهم
 
الصورة الرمزية قباني مغترب






قباني مغترب غير متصل

قباني مغترب is on a distinguished road


 

تعلمون أني كنت أسكن مع سيدة لطيفة في بيتها المتواضع، و ربما تذكرون قصة الشيك الدولي المتعذر صرفه في نيوزلندا . . وصلت إلى منزل العائلة التي سأقيم عندها مدة ثلاثة أسابيع و هي آخر أسابيعي في هذه الدولة.
عندما طرقت الباب فتحت الأم ، اوووووه إنها تعرفني و أعرفها، هي موظفة البنك التي أخبرتني بما حصل للشيك و اعتذرت منّي عندما تعذر صرفه، و هي تقول إنه أنت ؟ أهلا و سهلا، هات حقيبتك لأريك غرفتك . . بصراحة كان البيت فخما من الخارج و من الداخل و لعلكم تشاهدون صورة الحديقة المنزلية لتتأكدوا من أن بيتهم ما شاء الله تبارك الله، أخذتني إلى غرفتي و يا لها من غرفة لا أملك مثلها هنا في الرياض، فقد كانت مكونة من سرير مزدوج و تلفزيون و قنوات فضائية و جهاز دي في دي و كنب إضافة إلى جهاز الكمبيوتر الموصول بالإنترنت، قالت لي: هذه بالأصل غرفة الضيوف و لكن بما أنك ستمكث معنا لفترة قصيرة لن يأتي فيها ضيوف من الخارج فهي لك.
هناك غرفتان مخصصة للطلاب أصلا و لكن يسكن فيها طالب صيني و الأخرى لحفيدتهم الصغيرة التي تأتي كل صباح نظرا لأن أمها تعمل حتى العصر.
كان الأب ماهرا جدا في الطبخ، في أول عطلة نهاية أسبوع عندهم جهز الأب العشاء المكون مما لذ و طاب من المشويات بلمساته النيوزلندية، جلسنا و أخذ كل منهم كأسا من مشروبهم المفضل wine الواين، و قدموا لي كأسا فاعتذرت لأني لا أشرب أيا من الكحوليات و هذه هي ثقافتي، من الطبيعي أنهم لا يعرفون هذا الشيء فأنا قدمت إليهم من يومين و كنت أول طالب من السعودية يقيم عندهم.





منزل العائلة الأخرى و يظهر الباب الخلفي المطل على الحديقة الداخلية الجميلة، الأب يحب أن يجلس في الشرفة المطلة على الحديقة و معه كوبا من الشاي و سيجارة و رواية لدان براون أو جريدة الصباح


العائلة لطيفة للغاية و لكن كان عليهم ملاحظة، و هو أنهم يقضون أوقاتهم أمام التلفاز أكثر مما يقضونه في الحديث معنا، و كان برنامجهم المفضل هو سوبر ستار النسخة النيوزلندية، على الرغم من أنهما تجاوزا الستين من العمر.
و لكن و الحق يقال عندما انتلقت إلى العائلة الآخرى قادما من مسكن تلك السيدة الودودة و الطالبة الصينية، انبهرت و شعرت بفرق الماديات الموجودة في البيتين و وجبات الطعام الدسمة التي تنافس الكبسة في ثقلها، لكن ما خفف كثيرا من " استهبالي " الذي كان في البيت الأول و تعليقاتي الساخرة هي سلطة الأب الموجودة، فلم أعد كما كنت من قبل، لأشبهها بطالب شقي هذبه هيبة معلم جديد، لم أكن شقيا و لكن كنت مرحا و لا صوت يعلو فوق صوتي، ربما لأني كنت رجلا على سيدتين في البيت الأول ! لا أعرف.
كان الأب مرحا معي و مدخنا شرها مما جعل صوته عرضيا رخيما يبعث الهيبة لدى الحمل الوديع " قباني مغترب " و قارئا نهما للروايات و القصص و لكنه قوي الشخصية كما بدا لي و منسجما كثيرا كثيرا مع زوجته في الوقت نفسه، أو أنا لم أتأقلم معه بكشل كاف أو لأني لم أعد أحب الرجال هنـاك، أو لأن سيدات البيوت هن اللواتي يتواصلن مع المدرسة و مشرفة الإسكان فيها و بالتالي القصص و الحكايات تكون مشتركة بيننا، الطلاب الذين كانوا قبلي كان الأب أقرب إليهم ربما، و لكن لا أعرف ما لذي حدث معي تجاهه.



أب العائلة و زوجته في رحلة عائلية إلى إحدى المناطق القريبة من المدينة


لقد كنت قائد الحديث على طاولة الطعام في البيت الأول، كانت تلك الجلسات مفيدة للغة، نتناول الموضوعات الاجتماعية في نيوزلندا أو السياسية في
المنطقة العربية أو الطرف و الفكاهات أو المواقف اليومية، أي شيء يجب أن يحوز على قناعتي أولا للشروع في الحديث الجماعي، هذا ما جعلني أشعر بهيبة سلطة الأب الذي يقوم بهذه المهمة في أغلب الأحيان و ليس كلها، لي نصيب و لكنه قليل مقارنة بما سبق.
في الفصل، كنت الثرثار مع مرتبة الشرف، مما جعل المعلمة تجلب " الدباسة " و تشير إليّ بها و تقول: سأغلق فمك بهذه إذا تكلمت كثيرا هذا اليوم !!. حتى إنها في مرة من المرات و أثناء حديثي في الفصل و أمام الزملاء كتبت على اللوحة " السكوت من ذهب " فتوقفت عن كلامي السابق لأقول لها " و الكلام من جواهر " !! انفجر الجميع من الضحك، هذا ما جعل لغتي في الحديث تتحسن أكثر من أي زميل آخر و قد أشار إلى هذا المعلم الخبير، و قال إن ما يفعــله هذا الطالب العربي هو الأفضل لكم أيها الطلاب !!.



لا يمكن أن أنسى الموقف التالي، و دائما تكون في مكاني المفضل هناك ( الساحة العامة ) المسماة بـ " كاثيدرال سكوير " و أمام الكنيسة، فقد كنت ألعب بالكرة بعد فراغي من يوم دراسي و ذلك مع عدد من السعوديين، غابت الشمس أي بمعنى أنه دخل وقت المغرب فاقترحت عليهم أن نصلي الآن و لا نتوانى و نحن في هذا المكان، أمام المارة و قريبا من الكنيسة، قلت لهم: لقد جعلت لنا الأرض مسجدا و طهورا، و لا تخجلوا من إظهار شعائر دينكم الحنيف، لماذا لم يخجل من قاموا بمظاهرة للعراة – أعزكم الله - في هذا المكان قبل سنتين؟ هل هم في موقف أسمى من موقفنا ؟ و استجاب الكثير منهم و نظرا لبرودة الأرض فقد رمينا معاطفنا أمامنا لتكون لكل واحد منا سجادته التي يخر عليها ساجدا، تقدمت بالإمامة في هذه الصلاة الجهورية التي تلفت انتباه المارة بالتأكيد،، عندما سلمت أجد شخصا آسيويا يقف قريبا منّا و ينظر إلينا و آخر يلتقط صورا من بعيد . .
سألنا هذا الأسيوي عما نفعل ؟ فقلنا له: نحن نصلي ؟
قال: و لماذا تصلون لهذا الرجل ؟، قلنا : أي رجل ؟
قال: هذا التمثال – تمثال منصوب في وسط الساحة - .




هذه هي ساحة الكاثيدرال و تظهر الكنيسة و أمامها رحابة الأرض التي اتخذناها ملعبا لكرة القدم


قلنا: لا لا ، نحن لا نقصده، فقط كانت صدفة أن نتجه إلى مكة و أن يكون في اتجاهنا هذا التمثال، يجب أن نتجه إلى مدينة مقدسة في ديننا عندما نصلي و لا شأن لنا بهذا الرجل، هذه هي الصلاة في الطريقة الإسلامية.
هكذا شرحنا له ، و أشبعنا فضوله . . و لكن يا إخوان كانت لحظات تستحق التأمل، جرس الكنيسة يقرع و على بعد خطوات منها لا تتعدى المائة نحن نرفع إقامة صلاة المغرب و نقرأ الفاتحة و ما تيسر من الذكر الحكيم، شعرت في ذلك الحين بشعور هيبة و عزة.


و للقصة بقية

 







توقيع :

يابو فهد يا عزوتي سافر الشوق يابو فهد عقبها جروحي عطيـبة
يا بو فهد وش رايك القلب محروق يا بو فهد فرقى الولايف صعيبـة
  رد مع اقتباس