عرض مشاركة واحدة
قديم 06-28-2005, 12:45 PM   رقم المشاركة : 5
عضو نشيط





كحيلان غير متصل

كحيلان is on a distinguished road


 

مشاركة: روايه صدام حسين ( اخرج منها يا ملعون) حصرياً

ا لجزء الخامس
دعوتنا الى الانسانية ككل يقتضي، مع ضرورة التنبه الى اننا حيثما تشعبت امامنا الطرق بعد ذلك، ومن بعدنا الاجيال التي نورثها العقيدة، نعود الى الاساس والمنطلق وما اختمر في وعاء الامة وضميرها وعقلها، ليكون بوصلة حركتنا الى الامام والقاعدة والحكم الفصل في ما يختلف عليه او يقال فيه من اجتهاد، ذلك لأن الامم الاخرى، ستتلقى الدين منا وسنكون نحن مستودع اسراره ونبضه وروح انطلاقته ونماذجه الحية في منبعه الاساس وان اتسع الافق امامنا ليمتد الى البعيد البعيد، ذلك لان الأمم الاخرى متكونة على اعتقادات ليست بديانات الهية، وانما عبادات قومية صيرتها رغبة او عبقرية اصحابها في تلك الامم، لتلتم عبر التاريخ على ما يوحدها ويحقق لها الاهداف التي اختارتها في مراحل متعاقبة من الزمن، لذلك ما ان يؤمنوا بأساسيات ما ندعوهم اليه وينفصلوا عن توجيهنا المباشر، حتى تخالط عقائدهم السابقة الدين الجديد.. ومع تعدد الاجيال واحتمالات انتشار البدع على اساس الهوى او التسهيلات التي تنادي بها حياتهم او تفرضها عليهم هي وملوكهم، تصير اساسيات ما عرفوه عن تقاليدهم القومية من عبادات، كأنها اساس لدينهم وشعائرهم وتكون اساسيات الدين الجديد كأنها جزء من ذلك، وليس القاعدة والجوهر الذي يلغي ما عداه او يصححه بموجبها والخطير، يا ولدي، ان تتوافق مع هوى النفس الرغبة في الانعزال عن التوجيه المباشر للعرب المؤمنين على الوصف الذي ذكرناها عنهم.. وعندها تكون كأنها اديان جديدة وان سميت باسم ديننا.
قال محمود:
ـ شكرا، يا والدي.. لقد فهمت.
قال يوسف لابراهيم:
ـ التقيت قبل زمن بأناس من بلاد الروم.. التقيتهم بادئ الامر مقبلين بقوافلهم الى نينوى من بلاد الشام، وعرضت عليهم ديننا، مع انهم اجانب ومن قوميات اخرى، فهل ما فعلته صحيح ام خطأ؟
ـ بل، صحيح، يا يوسف، ذلك لأن ديننا موجه الى الناس كلهم، عربا واعاجم، سواء كانت بشرتهم بيضاء او سوداء او سمراء او من اللون الاصفر، كما في الصين وما جاورها، لكن عليكما الانتباه الى ما قلته لمحمود الآن، لأنه يعنيكما، وان كان لكل منكما اجتهاده وطريقه الآخر بعد ان انطلقتم من طريق التوحيد الاساس.
ـ نعم يا والدي، سوف انتبه الى ما قلته لنا الآن، لانك تقوله لأول مرة.
ـ نعم، يا ولدي، قلته لأول مرة، ليس لأن محمود سألني عنه الآن، ذلك انني كنت سأقوله.. ولو لم اقله اليوم، لقلته غدا او بعد غد، لان دعوتنا كانت محصورة في بلاد العرب فقط، اما الآن فصارت تمتد الى اقوام وشعوب اخرى.

***

منذ ذلك اليوم عرف كل حدود واجباته، وصار كل منهما يستقبل من يستقبله ويوجه من يوجهه، على اساس ما امر به ابراهيم مثلما كانا يفعلان قبل ذلك او يخرج كل منهما الى مواطن القبائل والقرى او مسارات رحلات الشتاء والصيف، بين بلاد الشام وهذه الاصقاع من ارض الله.

***

كان حسقيل قد استقر في قبيلة مناوئة لقبيلة غريمه: ذلك الشيخ الجليل، وجعل البحر الميت بينه وبين الاماكن التي تسكنها قبيلة الشيخ او مرابعه ومشاتيه، حيث يستقر جده ومرابعه ومشاتيه، وما ان حل في تلك القبيلة البعيدة ولنسمها (القبيلة المضطرة)، فيما نطلق على قبيلة الشيخ الطيب اسم (القبيلة المختارة)، حتى بدأت المشاكل تنشب وتزداد احتداما بين القبيلتين، وكان اساس التحرش هو تحريض حسقيل لتلك القبيلة، ليروج بضاعته من الاسلحة وليدفع ابناءها الى كسب غنائم ليبيع الذهب والفضة لنسائهم ولمن يرغب في شرائهما ولا يملك اموالا تعينه على ذلك.
كانت دسائس حسقيل تزداد، بعد ان رتب اشعارا وقصائد عن طريق من اغراهم ودفع لهم، تسيئ للقبيلة المضطرة وشيخها، وبناته وبنات العشيرة ويدعي من ينقلها بأنه سمعها من شيخ القبيلة المختارة مباشرة او من شعراء قبيلته في اي من رحلات الشتاء والصيف او في مرابع العشيرة ومشاتيها، وكان يفعل الشيء نفسه مع شيخ القبيلة المختارة عن طريق آخرين او عن طريق نفس الاوساط، ناقلا اليه والى قبيلته ما هو معاكس عن شيخ القبيلة المضطرة وافراد قبيلته، لكن شيخ القبيلة المختارة كان غالبا ما يأخذ رأي ابراهيم في ما يصله من الطرف الآخر، فيهدئه ابراهيم، ويقول له ان ذلك من فعل وتدبير حسقيل، وهما فعل وتدبير غير نزيهين، ويحذره من ان يوقع بينهما، لكن شيخ القبيلة المضطرة لم يكن امامه من يحذره من حسقيل، الذي صار يتصرف مع شيخها وكأنه صاحب فضل عليه وعلى قبيلته، ذلك انه قال لشيخ القبيلة انه على استعداد ليصنع له ولقبيلته السلاح الذي يحتاجونه، وانه لن يستوفي ثمنه الى ان يغزو شيخ القبيلة المضطرة القبيلة المختارة وشيخها، لقاء فائدة اتفقوا عليها.. وصار حسقيل من يومها يتردد كصديق حميم لشيخ القبيلة المضطرة ومستشارا في الاغلب الاعم، لا يتجاوز رأيه في ما يشير به او يقوله.. وصارت القبيلة المضطرة تكثر الغارات على القبيلة المختارة وتنصب الكمائن وتستولي على الماشية وتقتل من تنفرد به خارج الجماعة، وغالبا ما كانت القبيلة المضطرة، عندما تقوم برد فعل على القبيلة المختارة برد فعل على اعمالها واعتداءاتها، تتملص من المواجهة المباشرة، وتتحصن في حصون اعدت لهذا الغرض او تنسحب الى الجبال، متخذة من المغاور والكهوف البعيدة التي يعرفونها مأوى لهم، خاصة عندما تقرر القبيلة المختارة مواجهتهم بحشود منظمة، اما اذا رأوا ان المجموعة التي تواجههم ليست حشودا منظمة وانما محض مجاميع من غير عمق، كانوا ينقضون عليها ويقتلون رجالها ويروعون اطفالهم او يقتلونهم ويستولون على متاعهم ومواشيهم واذا ما ظفروا بأي من نسائهم اتخذوها سبية.
عندما حل الربيع في السنة الثانية، نصح حسقيل شيخ القبيلة المضطرة بأن يرتحل، ويتجاوز الارض التي كانت محرمة عرفا بين القبيلتين، كمسافة امان لتجنب الاحتكاك والتهيؤ عند اعتراض القبيلة المختارة للانقضاض عليها والاستيلاء على مواشيها (حلالها)، وقتل رجالها وسبي نسائها، وسحقها سحقا كاملا، بدلا من اسلوب الغارات والمهارشة، لكنه التمس او اشترط امرا على شيخ القبيلة ان هم غلبوا غريمهم:
ـ ان شرطي الاساس، يا شيخ، هو ان تجعل ابنة شيخ القبيلة من نصيبي، اذا غلبتم.
ورغم ان ذلك كان شرطا قاسيا، حيث كان شيخ القبيلة المضطرة طامعا بها لنفسه، على اساس عرف ذلك الزمان، فقد قبل شرط حسقيل على مضض.
في أواخر شهر فبراير (شباط) من تلك السنة، أمر شيخ القبيلة المضطرة ان يشد عدد قليل من الرجال الرحال من غير نساء واطفال، ليجاوروا، متجاوزين الارض الحرام، القبيلة المختارة، وقال إنه سيختار الوقت المناسب ليأمرهم بالهجوم على القبيلة المختارة.. بعد الوصول، كان حسقيل قد أقنع شيخ القبيلة المضطرة بأن بقاءه في الديار ضروري لتدبير شؤون بيت الشيخ، والاستجابة لطلبات الحريم، والأهم ـ هكذا قال حسقيل ـ ان اواصل صناعة النبال والسيوف والخناجر، والرماح، لأن القتال قد يمتد إلى زمن طويل قبل أن يتحقق النصر.. ولأن صاحب العادة السيئة الذي يكون الشيطان رفيقه بدلا من معاني الرحمن، لا يغير عادته، فما أن خلت له الدار بعد رحيل شيخ القبيلة، حتى بدأ يغازل زوجة الشيخ، ويقدم لها الحلي بسخاء لاستدراجها إلى بيته، وعندما كانت تنهره بادئ ذي بدء، وتقول له: أنا زوجة شيخ القبيلة يا ولد، وان من ابسط معاني إخلاص المرأة لزوجها أن تحفظ غيبته وشرفه فيها..
يقول لها حسقيل متضاحكا:
ـ إنك لست بنت عمه، بل لست بالأساس من قبيلته وقومه، إنما غريبة عن قومه، وان عادات أهلك ليس من عاداتهم وتقاليدهم، ومع هذا، وفوق هذا، ما ادراك، فقد لا يعود شيخ المضطرة، حيث قد يقع في الأسر، أو يقتل، وعندها لن يبقى لك وأنت غريبة من تلوذين به غيري.. مع ما يردف هذا من كلام معسول يقوله.. وما ان تمكن منها، حتى بدأ يساومها على بنتها الوحيدة، خاصة بعد أن رأتهما متلبسين بالجريمة النكراء، وعندما كان يقترب من ابنة الشيخ تنهره، لكنه يقول لها: انه حاول مع أمها لأنها الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها وبعدها ان يصل إليها، ومع ان الابنة كانت تشمئز من قوله، مثلما اشمأزت من فعلته مع أمها وفعل أمها معه، لكن مع مرور الأيام، واطلاعها على فعل والدتها معه، بدأت تغير أسلوبها جزئيا، وتناقش نفسها لمواجهة المصيبة بأسلوب آخر.. ذلك ان هذه الأم كانت تنسل مع زوال الشمس في افقها، ومجيء الرعاة بالغنم، وانصرافهم إلى بيوتهم، إلى بيت حسقيل، ولا تعود إلى بيتها إلا قبل بزوغ الشمس بقليل، وعندما كانت الابنة تعاتب أمها، وتلومها، تقول لها الأم:
ـ دعيني لحالي، انك لم تتزوجي بعد، ولا تعرفين شعور المرأة الغريبة عندما يغيب عنها زوجها الذي لا تحبه.. ثم انني، تقول الأم، لست منكم ولا على تقاليدكم، وان أباك كان يعرف عندما تزوجني بأنني عاشرت رجالا آخرين قبله، وعليه ما دامت غيبة ابيك غير معروف أمدها، فدعيني لحالي مع حسقيل، وليتحمل كل وزره.. الخ.. من الكلام الأعمى النزق.
ثم تقول: ان حسقيل رجل قوي، ويعرف كيف يعامل المرأة في السرير وخارج السرير، وهو الآن من يتولى أمر عائلتنا في غياب فرسان الديرة.. كما انه فوق ذلك اغرقنا بالذهب.. أُنظري.. هذه القلادة منه، وتلك الاقراط، وهذا السوار منه ايضا.. وهو بصدد أن يحوك لي حزاما من الذهب، مطعما بالفضة، وعندما اقول له إن هذا كثير، يقول لي (ابديلك) نفس حسقيل، أي نفس حسقيل فداء لك.
ورغم ان كلام امها هذا لم يدفعها الى تصرف مضاد، فإنها مع الزمن راحت تداور مع نفسها كل شيء تسمعه منها: الحلي.. ولا تملك شيئاً منها، ذلك ان أباها يملك، لكنه بخيل ولا يستهويه الصرف على عائلته، لذلك أبقى زوجته وابنته في حرمان إزاء رغبات الحد الأدنى، رغم تمكنه مادياً من ذلك.. أليس المثل القائل (اكسر البصلة وشمها تأتي البنت على أمها)، صحيحاً؟، ثم ماذا يمكن أن يتوقع من بنت لا تنظر أمها لأبيها بتقدير ومحبة واحترام، وتحكي لابنتها ما يشوقها للفاحشة، غير ان تهوي البنت في قعرها إذا استسلمت لمهاوي الشيطان، ولم يكن فيها ومن حولها ما يحصّنها؟، لكن بنت الشيخ لم تهو إلى قعر البئر الآسن السحيق التي سبقتها أمها إليها، رغم انها كانت قد قدرت هي وأمها أن شيخ القبيلة المضطرة اضعف من أن يعاقبهما عقابا صارما، إذا عرف.
نعم، ان الاعداد الجيد، والتربية الجيدة على المبادئ، وفي مقدمتها مبادئ الدين والالتزام بحقوق الله، وحقوق الناس، مثلما هي حقوق الإنسان نفسه، في الأقل، مهمة لحصانة الإنسان إزاء مزالق الشيطان، سواء من رجل أو امرأة، أو في علاقة الرجل بالمرأة، أو في الحقوق والأمور الأخرى، لكن يبقى ثمة شيئان حاسمان أمام انهيار أي خط دفاعي مما ذكرنا.. أولهما الوسط الاجتماعي القريب (العائلة).. او الوسط الاجتماعي الأبعد (المدرسة، الدائرة، السكن، الاصدقاء، والمعارف).. الخ.
والثاني هو العقاب، على قاعدة المثل العربي المشهور (من أمِن العقاب أساءَ الأدب).. و(آخر الدواء الكي).
ان العقاب، سواء كان عقاب القانون أو عقاب العائلة نفسها، هو الخط الدفاعي الأخير والحاسم، إذا ما انهارت الخطوط الدفاعية الأخرى، ذلك ان أي إنسان عندما يعرف أن هناك رادعاً ينتظره، وقد يكون الرادع قاسياً، يفكر ويفكر ويفكر، قبل أن يُقدم، وبخاصة عندما يكون الإقدام على فعل ليس مما يعزّه، أو يعز أهله بين الناس، إنما يخزيهم أمام الله والناس، وقد لا تفضي نتائج التفكير والتأمل في سوء العاقبة الى التردد فحسب، إنما إلى الامتناع والسعي إلى تحصين النفس، بما يقنعها ويحول بينها وبين الرغبات غير المشروعة، لذلك فإن الله، سبحانه، وهو يعد عباده الصالحين والمتقين بالجنة وطيباتها، يحذرهم من النار، ويعد الكافرين والضالين بها، والعياذ بالله من حرّها وما يخزي النفس فيها أمام الله.

 







توقيع :

  رد مع اقتباس