عرض مشاركة واحدة
قديم 10-06-2008, 04:47 PM   رقم المشاركة : 8
عضو فعال
 
الصورة الرمزية خيال الغلباء





خيال الغلباء غير متصل

خيال الغلباء is on a distinguished road


 

قال الشاعر :

اتق الأحمق أن تصحبه
= إنما الأحمق كالثوب الخلق

كلما رقعت منه جانبا
= صفقته الريح وهنا فانخرق

إن من أعظم الأدواء التي يبتلى بها المرء في هذه الحياة داء الحمق ؛ فالحمق شر كله ، والأحمق عدو نفسه ؛ لما يسبب لنفسه من الضرر ، وهو كاسد العقل والرأي لا يحسن شيئًا .

الحماقات متعددة :

والحماقات والسفاهات التي تدل على الخفة والطيش والرعونة كثيرة وعديدة ، تجدها على مستوى الفرد والجماعة ، والحاكم والمحكوم ، والرجل والمرأة ، فهذا الذي خرج يبارز ربه بالحرب ، يكفر ويضجر ويظلم ويدمر الأخضر واليابس مغترًا بقوته وبإملاء الله له هو شخص أحمق . وهذا الذي يمر على مصارع الهلكى ويشاهد عظيم قدرة الله في خلقه وانتقامه ممن يعصيه ، ويطالع السنن الكونية والشرعية ثم يظل سائرًا في غيه لا يرفع رأسًا بهذه الآيات البينات ولا يسارع بتوبة وحسنات ماحيات . لا يقل في الحمق عن سابقه .

وهذا الذي يُزوج ابنته من تارك الصلاة أو كافر أو فاسق لأنه غني أو صاحب مركز مرموق يفعل ذلك بزعم محبة ابنته أو الشفقة عليها ، وهو في واقع الأمر يدمرها ، فمن زوّج ابنته من فاسق فقد قطع رحمها ، ومن ضيع الصلاة فهو لما سواه أضيع .

وكذلك الأمر بالنسبة لمن يترك الحبل على الغارب لأهله وولده ، يأتيهم بالأجهزة المفسدة ويتركهم يشاهدون أفلام الجنس وغيرها ويسمعون الأغاني الرقيعة الخليعة بزعم تسليتهم والترويح عنهم ، هو إنسان يضيع نفسه ويضيع رعيته ، وكفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول ، ولن تزول قدما ابن آدم من عند الله حتى يُسأل كل راعٍ عمَّا استرعاه حفظ أم ضيع : ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة ) [ التحريم : 6 ].

الأحمق لا ينتفع بجوارحه :

إن الأحمق لم ينتفع بالجوارح والحواس التي أودعت فيه ، وهذا شأن الكافر والمنافق الذي ذكره سبحانه في قوله : ( يُخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ) [ البقرة : 9 ]، ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ) [ البقرة : 11 ]، ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ) [ البقرة : 16 ]، ( صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يرجعون ) [ البقرة : 18 ].

وقال تعالى : ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرًا من الإنس والجن لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) [ الأعراف : 179 ]. وقال سبحانه : ( أرأيت من اتخذ إلهه هواهُ أفأنت تكون عليه وكيلاً ) [ الفرقان : 43 ].

أحاديث تذم الحمق

وقد وردت الأحاديث في ذم الحمق ؛ ففي الحديث : " نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند مُصيبة ، خمش وجوه وشق جيوب ورنَّة شيطان " [ رواه الترمذي وقال : حسن صحيح ].

وعن الأسود بن سريع رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " أربعة يوم القيامة : رجل أصم لا يسمع شيئًا ، ورجلٌ أحمق ، ورجل هَرِم ، ورجل مات في فترةٍ . فأما الأصم فيقول : لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئًا . وأما الأحمق فيقول : يا رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر . وأما الهَرِم فيقول : يا رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئًا . وأما الذي مات في فترة فيقول : ما أتاني لك رسولٌ . فيأخذ مواثيقهم ليُطيعنَّه ؛ فيرسل إليهم أنِ ادخلوا النار ، فوالذي نفسي بيده لو دخلوها كانت عليهم بردًا وسلامًا ". [ رواه أحمد والبيهقي وابن حبان ].

وفي حديث أم زرع : " ... قالت الثانية : زوجي لا أبث خبره ، إني أخاف أن لا أذره ، إن أذكره أذكر عُجره وبُجره( تقصد عيوبه ). قالت الثالثة : زوجي العشنَّق ( شديد الطول ) إن أنطق أُطلَّق ، وإن أسكُت أُعلَّق ..." [ رواه البخاري ومسلم ].

ومن الآثار وأقوال أهل العلم :

تلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه الآية : ( ما غرك بربك الكريم ) [ الانفطار : 6 ] قال : الحمق يا رب .

وقال علي رضي الله عنه : " ليس من أحد إلا وفيه حمقةٌ فبها يعيش ".

وعن مجاهد قال : " كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما فجاء رجل فقال : إنه طلَّق امرأته ثلاثًا . قال : فسكت حتى ظننت أنه رادُّها إليه ، ثم قال : ينطلق أحدكم فيركب الحَموقة ثم يقول : يا ابن عباس ، يا ابن عباس ، وإن الله قال : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ) [ الطلاق : 2 ]. وإنك لم تتق الله فلم أجد لك مخرجًا ، عصيت ربك وبانت منك امرأتك ... " [ رواه أبو داود وصححه الألباني ].

وعن أنس بن سيرين قال : سمعت ابن عمر رضي الله عنهما قال : " طلَّق ابن عمر امرأته وهي حائض ، فذكر عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ليراجعها ". قلتُ : تُحتسب ؟ قال : " فَمَه ؟ ". وعن ابن عمر قال : " مُرْهُ فليُراجعها ". قلتُ : تُحتسب ؟ قال : " أرأيته إن عجز واستحمق " [ رواه البخاري ومسلم ].

وعن محمد بن المنكدر قال : " صلى جابر في إزار قد عقده من قِبَل قفاه وثيابه موضوعة على المشجب ، قال له قائل : تُصلي في إزار واحد ؟ فقال : إنما صنعت ذلك ليراني أحمق مثلك ، وأيَّنا كان له ثوبان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ " [ رواه البخاري ].

وقال جعفر الصادق : " الأدب عند الأحمق كالماء في أصول الحنظل ، كُلما ازداد ريًّا زاد مرارة ".

قال ابن أبي زياد : قال لي أبي : " يا بُني الزم أهل العقل وجالسهم ، واجتنب الحمقى ؛ فإني ما جالست أحمق فقُمت إلا وجدتُ النقص في عقلي ".

وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال : " لو حلفتُ لرَجوْت أن أبر أنه ليس أحد ٌمن الناس إلا وهو أحمق فيما بينه وبين الله عز وجل ، غير أن بعض الحمق أهون من بعض ".

وقيل لإبراهيم النَّظَّام : " ما حدُّ الحمق ؟ فقال : سألتني عمَّا ليس له حدٍّ ".

عن عبد الله بن إبراهيم الموصلي قال : " نابت الحجاج في صديق له مصيبة ورسولٌ لعبد الملك شاميٌّ عنده ، فقال الحجاج : ليت إنسانًا يُعزيني بأبيات ، فقال الشامي : أقول ؟ قال : قُل . فقال : " وكل خليل سوف يُفارق خليلاً يموت أو يُصاب أو يقع من فوق البيت أو يقع البيت عليه أو يقع في بئر أو يكون شيئًا لا نعرفه ". فقال الحجاج : قد سليتني عن مصيبتي بأعظم منها في أمير المؤمنين إذ وجّه مثلك لي رسولاً ".

نظر بعض الحكماء إلى أحمق جالس على حجر ، فقال : " حجر على حجر ".

قال بعضهم : " العاقل المحروم خير من الأحمق المرزوق ".

يُقال : فلان ذو حُمق وافر وعقل نافر ليس معه من العقل إلا ما يوجب حجة الله عليه .

مرَّ بعض الأمراء على بيَّاع ثلج فقال : أرني ما عندك ، فكسر له قطعة وناوله إياها ، فقال : أُريد أبرد من هذا ، فكسر له من الجانب الآخر ، فقال : كيف سعر هذا ؟ فقال : رطل بدرهم ومن الأول رطل ونصف بدرهم ، فقال : زن من الثاني ".

وقال آخر : " مؤنة العاقل على نفسه ، ومؤنة الأحمق على الناس ، ومن لا عقل له فلا دنيا له ولا آخرة ".

الحمق داء عضال :

عن أبي إسحاق قال : " إذا بلغك أن غنيًا افتقر فصدِّقن وإذا بلغك أن فقيرًا استغنى فصدق ، وإذا بلغك أن حيًّا مات فصدق ، وإذا بلغك أن أحمق استفاد عقلاً فلا تُصدِّق ".

وعن الأوزاعي أنه قال : " بلغني أنه قيل لعيسى بن مريم عليهما السلام : يا روح الله ، إنك تُحيي الموتى ؟ قال : نعم ؛ بإذن الله . قيل : وتُبرئُ الأكمَهَ ؟ قال : نعم بإذن الله . قيل : فما دواء الحمق ؟ قال : هذا الذي أعياني ".

وقد نظم هذا المعنى بعضهم فقال :

لكل داءٍ دواءٌ يُستطبُّ به
= إلا الحماقة أعيت من يداويها

من علامات الحمقى وأخلاقهم :

قال أبو حاتم بن حيَّان الحافظ : " علامة الحمق سُرعة الجواب ، وترك التثبُّت ، والإفراط في الضحك ، وكثرة الالتفات ، والوقيعة في الأخيار ، والاختلاط بالأشرار ، والأحمق إن أعرضت عنه أعتم ( يعني عبس )، وإن أقبلت عليه اغترَّ ، وإن حلُمتَ عنه جهل عليك ، وإن أحسنت إليه أساء إليك ، ويظلمُك إن أنصفته ".

وقال بعض الحكماء : " من أخلاق الأحمق : إن استغنى بطر ، وإن افتقر قنط ، وإن فرح أشِرَ ، وإن قال فحُش ، وإن سُئل بخِلَ ، وإن سأل ألحَّ ، وإن قال لم يُحسن ، وإن قيل له لم يفقه ، وإن ضحك نَهَقَ وإن بكى خارَ ".

وقال عمر بن عبد العزيز : " ما عدمت من الأحمق فلن تعدم خلَّتين : سُرعة الجواب ، وكثرة الالتفات ".

يُروى عن الأحنف بن قيس أنه قال : قال الخليل بن أحمد : الناس أربعة : رجل يدري ويدري أنه يدري ، فذاك عالم فخذوا عنه ، ورجل يدري وهو لا يدري أنه يدري ، فذاك ناسٍ فذكروه ، ورجل لا يدري وهو يدري أنه لا يدري فذاك طالبٌ فعلموه ، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذاك أحمق فارفضوه ". اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين . وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين . منقول بتصرف وأنتم سالمون وغانمون والسلام .

 







توقيع :

  رد مع اقتباس