عرض مشاركة واحدة
قديم 06-28-2005, 12:48 PM   رقم المشاركة : 8
عضو نشيط





كحيلان غير متصل

كحيلان is on a distinguished road


 

مشاركة: روايه صدام حسين ( اخرج منها يا ملعون) حصرياً

الجزء الثامن
اصفر وجه حسقيل، واضطربت شفتاه، وصار بالكاد يبلع ريقه، وهو يقول (فديلك).. كل شيء تلبسينه يصير حلوا.
اقترب حسقيل منها اكثر وهو يقول: ـ هل اربط لك القلادة؟ لكنه قالها هذه المرة بثقة اكبر رغم انه لم يتخلص من اضطرابه، مع انه هذه المرة لم يكن اضطراب تحسب من النوع الذي يسبق المحاولة، ولا تعرف على وجه اليقين عواقبها، ورد فعل المرأة عليها، وانما اضطراب الرغبة الجامحة التي اجتاحته حين قالت له «حسقيل هل تعجبك!؟».
ألا يكفي الرجل هذا كاشارة دالة على رغبة المرأة فيه، او ايهامه بهذا، في الاقل؟ بل هل ينتظر رجل غريب من امرأة ما هو اوضح من هذا ليعرف رغبتها فيه، او يتوهم في ذلك، وبخاصة عندما ينفردان في مكان واحد؟
كرر حسقيل تساؤله:
هل اربط لك القلادة من الخلف؟
ـ نعم، لو سمحت.. ورفعت طرف ملفعها المتدلي على ظهرها من الخلف، واظهرت له رقبتها، ثم انحنت برأسها للامام قليلا، في الوقت الذي ابقت يديها مرتفعتين ممسكتين بطرفي القلادة وهي تشير اليه ان امسك بطرفي القلادة مني.
وجد حسقيل فرصته ليقترب منها، منها الحد الذي اقترب جسمه من جسمها من الخلف، حتى كاد يلتصق بها، ولكن يديه كادتا، وهو يفعل ذلك، تعجزان من شدة ارتعاشهما عن الاحتفاظ بالقلادة من طرفيها، بل تعذر عليه ان يعقد طرفي القلادة..
ـ حسقيل، ماذا حصل لك؟
ـ صبرك علي، يا من فداك روح حسقيل.. قالها ايضا بصورة متلجلجة من شدة ارتعاشه، ولكن ما ان استدارت بوجهها اليه، حتى حاول ان يلثمها، فدفعته بقوة عنها، وخرجت والقلادة بيدها بعد ان قالت له:
ـ اذا كنت لا تستطيع ربطها، اتركها لي سوف احاول ربطها.
ـ بل استطيع ربطها!! ان صبرك علي كان قليلا..
قالت جوابا على ما غمزها به:
ـ ولكن صبرك قليل ايضا.. اترك هذا الآن حتى اعتاد عليك، اترك هذا، لئلا اتأخر عن والدتي التي تنتظرني في بيتنا، وسوف آتيك مساء اليوم، بعد ان تغتسل... ولا تضع الفروة على جسمك حتى تغتسل تماما بالشنان الذي جئتك به.
قال حسقيل وهي تهم بأن تخرج من البيت: ـ ولكن، ماذا عن والدتك..
ـ سأقول لها ان هذه الليلة ليلتي.. او اجد العذر الذي يصلح غطاء.. الا يعجبك ذلك؟
ـ ثم عادت لتقول مع نفسها: وهل يعجز من يقرر، ويقدم على انحراف او غطاء، او حتى ذريعة لفعله!؟
ـ بل اموت في ما تقولينه، وروحي (فداك).
عندما مرت هي وحسقيل على عبدتها الصغيرة وجداها لمت جسمها، وضمت ركبتيها الى بطنها، لتتقي برد آذار في بلاد الشام ونامت فوق برذعة حمار، بعد ان لمت يديها ايضا، ووضعتهما بين فخذيها، ذلك ان الانسان كلما قلص المساحة السطحية لجسمه صار البرد اقل عليه..

***

خرجت لذة وعبدتها الصغيرة تمشي خلفها.. كان ربيع آذار (يدفن) قدميها، وهي تسير باتجاه بيتها.. وثغاء البهائم الصغيرة يأتي من كل بيت شعر في اشارة الى حاجتها الى امهاتها في الوقت الذي كانت الحمير ومنها حمار حسقيل، تنهق كعلامة على رغبتها في ان تقوم بدورها الطبيعي في ادامة الحياة، بعد ان تخلصت من برد الشتاء وجوعه.
بينما كانت لذة تمشي مختالة وهي تردد مع نفسها: يا كلب، وتقصد بذلك حسقيل، سوف اكشف كل غاطسك واعلمك ان بنات العرب غير بنات العجم. وقد غمزت في هذا من امها باعتبارها لم تكن من اعمامهم وانما هي اعجمية.. وبينما هي تسير في الربيع باتجاه بيتهم.. انزلقت احدى قدميها في حفرة عميقة نسبيا، لم تكن قد تبينتها بسبب كثافة العشب، ووجود احجار قريبة منها، فالتوت ساقها، وكسرت قدمها من الكاحل، وبعد عدة صيحات ألم، أغمي عليها في المكان ولم تفق الا بعد ان نقلتها امها بمساعدة نساء الحي الى البيت.

* هامش:

1 ـ نبات كان هو الوسيلة الاساسية لاغتسال البدو والحضر.. بعد ان يطحن او ينقع.. ثم يغتسل به وبمائه.. ويقابل الصابون في عصرنا.



وتنطلق رواية صدام حسين «اخرج منها يا ملعون» من الكشف عن علاقة الشيخ ابراهيم مع ايتام اولاده الثلاثة، الذين قتل آباؤهم في غزوات ومنازعات قبلية، وتسلط الاضواء على شخصية كل منهم، وهم حسقيل ويوسف ومحمود. وفي الحلقات السابقة، دارت حوارات بين الجد واحفاده حول مفهوم الثروة، واوضح كل منهم ما الذي يعنيه له. وتنكشف خلال ذلك أطماع حسقيل في التفرد بالثروة، ورغبته في الانفصال بما يملكه مما ادى الى نبذه من الجميع. ثم يوزع الشيخ ابراهيم «البلاد» على حفيديه محمود ويوسف، داعيا اياهما الى الابتعاد عن فتن الاجنبي. اما حسقيل فقد استقر في قبيلة مناوئة. ويسلط الروائي الاضواء على السلوك المشين الذي يتبعه حسقيل لدى القبيلة التي لجأ اليها وهي عشيرة المضطرةتنطلق رواية صدام حسين «اخرج منها يا ملعون» من الكشف عن علاقة الشيخ ابراهيم مع ايتام اولاده الثلاثة، الذين قتل آباؤهم في غزوات ومنازعات قبلية، وتسلط الاضواء على شخصية كل منهم، وهم حسقيل ويوسف ومحمود. وفي الحلقات السابقة، دارت حوارات بين الجد واحفاده حول مفهوم الثروة، واوضح كل منهم ما الذي يعنيه له. وتنكشف خلال ذلك أطماع حسقيل في التفرد بالثروة، ورغبته في الانفصال بما يملكه مما ادى الى نبذه من الجميع. ثم يوزع الشيخ ابراهيم «البلاد» على حفيديه محمود ويوسف، داعيا اياهما الى الابتعاد عن فتن الاجنبي. اما حسقيل فقد استقر في قبيلة مناوئة. ويسلط الروائي الاضواء على السلوك المشين الذي يتبعه حسقيل لدى القبيلة التي لجأ اليها وهي عشيرة المضطرة.
ويواصل حسقيل خبثه مع شيخ عشيرة المضطرة وافراد عائلته بهدف السيطرة عليهم وعلى ثرواتهم عن طريق المصاهرة

وافق شيوخ العشائر المنتسبون لتلك القبيلة، ومعهم أغلبية الحضور.. رغم اعتراض أحد الشيوخ بقوة على هذا، وسحب صلاح سيفه وهو يصيح بقوة:
ـ ان هذا غدر.. ان هذا خيانة لتاريخنا وتراثنا، وتضحيات أجدادنا وآبائنا، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه، قبل أن يصير أبو لذة شيخا علينا والآن تسعون لأن يصير حسقيل شيخا علينا مع كلب الروم، بل ان تصرفا هكذا وصفه يعتبر خيانة حتى لدين من هو على دين حقيقي منا.. خيانة للحاضر وللأجيال من بعدنا.. فوالله لن ارضخ لأمر يسيئ لكل هذا، ولن يرهبني ويجعلني لا أقرر طريقي واختياري بنفسي، أنا وعشيرتي، ولن أخشى حسقيل ولا الروم، ولا أخشى من يرضخ صاغراً مخزياً لهما.
وعندما يعترض أحد الشيوخ يصيح به بقوة.. وعندما يهم أن يهوي عليه بسيفه يسقط على ظهره حتى تظهر عورته.. فيضحك قسم من الشباب، بعد أن يخرج الشيخ الشهم، على منظر جُبن مَن جَبُن.. عندما واجه ذلك الشهم الضعفاء.
من جانبه، كان حسقيل قد رتب الأمور مع زوجة الشيخ، لذلك كان الاجتماع في بيت الشيخ، واختيار وجهاء وشيوخ العشائر أن يكون حسقيل هو الذي يدير الاجتماع، وعندما حاول أن يظهر شيئاً من التمنع التمثيلي، قام كثر منهم إليه، ملحفين الرجاء، هذا يقبّل كتفه، وذاك أنفه، والآخر جبينه، أو كتفه، وصغار السن يقبِّلون يديه، وكلهم يرجون حسقيل أن يقبل الإشراف على مناقشة مصير القبيلة، إلا واحداً من الحضور، كان رجلاً مهيباً، قاتل قتالاً مشهوداً عند المنازلة مع القبيلة المختارة، رغم أنه أساساً لم يكن مقتنعاً بضرورة شن الغارة على تلك القبيلة، ولا بأسبابها ودوافعها.
لذلك عندما نزل رجال المضطرة من على صهوات جيادهم لينهبوا حاجيات بيوت المختارة قبل أن تبدأ المنازلة، بقي هو على ظهر جواده، ولم يشترك في جمع الأسلاب، وجعلته حصانته الذاتية وروحه العالية، وشجاعته، من بين القلة النادرة، بل في مقدمتهم، مع ما سجل من علامات متقدمة على من قاتل فعلا، لذلك كان آخر من انسحب من المعركة، ولكثرة ما سال على قبضة سيفه من دماء، جفت على كفه اليمنى بسبب الإمساك بالسيف لمدة طويلة، وهو يهجم بأمل أن يخلص أكبر عدد ممكن من الوقوع في الأسر.. ولأن الدماء جفت وجمدت على كفه وهي ممسكة بالسيف، فإنه لم يتمكن من فتح قبضة يده ويخليها من قبضة السيف، إلا بعد أن نقعها في ماء دافئ عند أعرابي استضافهم وهم في طريق العودة إلى ديارهم بشهادة من كانوا عائدين معه، إلى قبيلتهم بعد الغزو الفاشل.
قال صلاح، بعد أن نهض ليتكلم وقوفاً:
ـ إننا أبناء قبيلة واحدة، نحن الحضور هنا في دار الشيخ الذي خزينا به قبل أن يخزي نفسه، ذلك لأن من لا يستحي من العار لا تخزيه نفسه إذا ما ارتكب ما يعيب، أقول، نحن الموجودين في هذا البيت، كلنا أبناء قبيلة واحدة، إلا حسقيل، ومن احضرهم معه، فهو رجل غريب، والذين معه غرباء ايضا، بل جاءنا دخيلاً، وقبلنا أن يعيش بيننا كمستضعف، ويعمل وفق مصلحته صائغاً أو حذّاء للخيل، أو حداداً وصانعاً للأسلحة، لكن لا يجوز أن نبحث شؤوننا بحضوره، خاصة في شأن مصيري كهذا.. وفي كل الأحوال، لا يجوز أن يكون حسقيل مشرفاً على حوارنا هنا، أو شيخاً علينا..
وفي الوقت الذي كان يقول ذلك، كان كثر من الجالسين يشوشون عليه، وبعضهم يحصبه بالنوى أو الحصى الصغير، بعد أن كان حسقيل قد قدم لهم تمراً، قبل الغداء، وقد أراد بهذا لا أن يظهر لهم كرمه، إنما يجعلهم يتناولون التمر، وينكبون على شرب الماء، بما يجعلهم مقلين في تناول الطعام

 







توقيع :

  رد مع اقتباس