عرض مشاركة واحدة
قديم 10-08-2008, 04:05 AM   رقم المشاركة : 5
عضو فعال
 
الصورة الرمزية خيال الغلباء





خيال الغلباء غير متصل

خيال الغلباء is on a distinguished road


 

صالح ( عليه السلام ) :

في منطقة الحِجْر التي تقع بين الحجاز والشام ، والتي تسمى الآن ( بمدائن صالح ) كانت تعيش قبيلة مشهورة تسمى ثمود ، يرجع أصلها إلى سام بن نوح ، وكانت لهم حضارة عمرانية واضحة المعالم ، فقد نحتوا الجبال واتخذوها بيوتًا ، يسكنون فيها في الشتاء ؛ لتحميهم من الأمطار والعواصف التي تأتي إليهم من حين لآخر واتخذوا من السهول قصورًا يقيمون فيها في الصيف . وأنعم الله - عز وجل - عليهم بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى ، فأعطاهم الأرض الخصبة ، والماء العذب الغزير ، والحدائق والنخيل ، والزروع والثمار ، ولكنهم قابلوا النعمة بالجحود والنكران ، فكفروا بالله -سبحانه - ولم يشكروه على نعمه وعبدوا الأصنام ، وجعلوها شريكة لله ، وقدَّموا إليها القرابين ، وذبحوا لها الذبائح وتضرعوا لها ، وأخذوا يدعونها ، فأراد الله هدايتهم ، فأرسل إليهم نبيًّا منهم ، هو صالح - عليه السلام - وكان رجلاً كريمًا تقيًّا محبوبًا لديهم .وبدأ صالح يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وترك ما هم فيه من عبادة الأصنام ، فقال لهم : { يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } [ الأعراف : 73 ] فرفض قومه ذلك ، وقالوا له : يا صالح قد كنت بيننا رجلا فاضلاً كريمًا محبوبًا نستشيرك في جميع أمورنا لعلمك وعقلك وصدقك ، فماذا حدث لك ؟! وقال رجل من القوم : يا صالح ما الذي دعاك لأن تأمرنا أن نترك ديننا الذي وجدنا عليه آباءنا وأجدادنا ، ونتبع دينًا جديدًا ؟! وقال آخر : يا صالح قد خاب رجاؤنا فيك ، وصِرْتَ في رأينا رجلا مختلَّ التفكير . كل هذه الاتهامات وجهت لنبي الله صالح - عليه السلام - فلم يقابل إساءتهم له بإساءة مثلها ، ولم ييأس من استهزائهم به وعدم استجابتهم له ، بل ظل يتمسك بدين الله رغم كلامهم ، ويدعوهم إلى عبادة الله الواحد الأحد ، ويذكِّرهم بما حدث للأمم التي قبلهم ، وما حلَّ بهم من العذاب بسبب كفرهم وعنادهم ، فقال لهم : { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورًا وتنحتون الجبال بيوتًا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين } [ الأعراف : 74 ] ثم أخذ صالح يذكِّرهم بنعم الله عليهم ، فقال لهم : { أتتركون في ما هاهنا آمنين . في جنات وعيون . وزروع ونخيل طلعها هضيم } [ الشعراء : 146-148 ]. ثم أراد أن يبين لهم الطريق الصحيح لعبادة الله ، وأنهم لو استغفروا الله وتابوا إليه فإن الله سيقبل توبتهم ، فقال : { يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب } [ هود : 61 ] فآمنت به طائفة من الفقراء والمساكين ، وكفرت طائفة الأغنياء ، واستكبروا وكذبوه ، وقالوا : { أبشرًا منا واحدًا نتبعه إنا إذًا لفي ضلال وسعر . أؤلقى الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر } [ القمر : 24- 25 ]. وحاولت الفئة الكافرة ذات يوم أن تصرف الذين آمنوا بصالح عن دينهم وتجعلهم يشكون في رسالته ، فقالوا لهم : { أتعلمون أن صالحًا مرسل من ربه } [ الأعراف : 75 ] أي : هل تأكدتم أنه رسول من عند الله ؟ فأعلنت الفئة المؤمنة تمسكها بما أُنْزِلَ على صالح وبما جاء به من ربه ، وقالوا : { إنا بما أرسل به مؤمنون } [ الأعراف : 75 ] فأصرَّت الفئة الكافرة على ضلالها وقالوا معلنين كفرهم وضلالهم : { إنا بالذي آمنتم به كافرون } [ الأعراف : 76 ] ولما رأى صالح - عليه السلام - إصرارهم على الضلال والكفر قال لهم : { يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير } [ هود : 63 ].وكان صالح - عليه السلام - يخاطب قومه بأخلاق الداعي الكريمة ، وآدابه الرفيعة ويدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة تارة ، ويجادلهم تارة أخرى في موضع الجدال ، مؤكدًا على أن عبادة الله هي الحق ، والطريق المستقيم . ولكن قومه تمادوا في كفرهم ، وأخذوا يدبرون له المكائد والحيل حتى لا يؤمن به أكثر الناس ، وذات يوم كان صالح - عليه السلام - يدعوهم إلى عبادة الله ، ويبين لهم نعم الله الكثيرة ، وأنه يجب شكره وحمده عليها ، فقالوا له : يا صالح ما أنت إلا بشر مثلنا ، وإذا كنت تدعي أنك رسول الله ، فلا بد أن تأتينا بمعجزة وآية . فسألهم صالح - عليه السلام - عن المعجزة التي يريدونها ، فأشاروا على صخرة بجوارهم ، وقالوا له : أخْرِجْ لنا من هذه الصخرة ناقة طويلة عُشَراء ، وأخذوا يصفون الناقة المطلوبة ويعددون صفاتها ، حتى يعجز صالح عن تحقيق طلبهم ، فقال لهم صالح : أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم أتؤمنون بي وتصدقونني وتعبدون الله الذي خلقكم ؟ فقالوا له : نعم ، وعاهدوه على ذلك ، فقام صالح - عليه السلام - وصلى لله - سبحانه - ثم دعا ربه أن يجيبهم إلى ما طلبوا . وبعد لحظات حدثت المعجزة ، فخرجت الناقة العظيمة من الصخرة التي أشاروا إليها ، فكانت برهانًا ساطعًا ، ودليلاً قويًّا على نبوة صالح ، ولما رأى قوم صالح هذه الناقة بمنظرها الهائل آمن بعض قومه ، واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم ، ثم أوحى الله إلى صالح أن يأمر قومه بأن لا يتعرضوا للناقة بسوء ، فقال لهم صالح : { هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم } [ الأعراف : 73 ]. واستمر الحال على هذا وقتًا طويلاً ، والناقة تشرب ماء البئر يومًا ، ويشربون هم يومًا ، وفي اليوم الذي تشرب ولا يشربون كانوا يحلبونها فتعطيهم لبنًا يكفيهم جميعًا ، لكن الشيطان أغواهم ، فزين لهم طريق الشر ، وتجاهلوا تحذير صالح لهم فاتفقوا على قتل الناقة ، وكان عدد الذين أجمعوا على قتل الناقة تسعة أفراد ، قال تعالى : { وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون } [ النمل : 48 ] ثم اتفقوا مع باقي القوم على تنفيذ مؤامرتهم ، وقد تولى القيام بهذا الأمر أشقاهم وأكثرهم فسادًا ، وقيل اسمه قدار بن سالف . وفي الصباح ، تجمع قوم صالح في مكان فسيح ينتظرون مرور الناقة لتنفيذ مؤامرتهم ، وبعد لحظات مرت الناقة العظيمة فتقدم أحدهم منها ، وضربها بسهم حاد أصابها في ساقها ، فوقعت على الأرض ، فضربها قدار بن سالف بالسيف حتى ماتت ، وعلم صالح بما فعل قومه الذين أصروا على السخرية منه والاستهزاء به ، وأوحى الله إليه أن العذاب سوف ينزل بقومه بعد ثلاثة أيام ، فقال صالح - عليه السلام - لهم : { تمتعوا في داركم ثلاثة أيام } [ هود : 65 ] ولكن القوم كذبوه واستمروا في سخريتهم منه والاستهزاء به ، ولما دخل الليل اجتمعت الفئة الكافرة من قوم صالح ، وأخذوا يتشاورون في قتل صالح ، حتى يتخلصوا منه مثلما تخلصوا من الناقة ، ولكن الله - عز وجل - عَجَّلَ العذاب لهؤلاء المفسدين التسعة ، فأرسل عليهم حجارة أصابتهم وأهلكتهم . ومرت الأيام الثلاثة ، وخرج الكافرون في صباح اليوم الثالث ينتظرون ما سيحل عليهم من العذاب والنكال ، وفي لحظات جاءتهم صيحة شديدة من السماء ، وهزة عنيفة من أسفلهم ، فزهقت أرواحهم ، وأصبحوا في دارهم هالكين مصروعين . قال تعالى : { فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون . وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون } [ النمل : 52-53 ] وهكذا أهلك الله - عز وجل - قوم صالح بسبب كفرهم وعنادهم وقتلهم لناقة الله ، والاستهزاء بنبيهم صالح - عليه السلام - وعدم إيمانهم به ، وبعد أن أهلك الله الكافرين من ثمود ، وقف صالح - عليه السلام - ومن معه من المؤمنين ينظرون إليهم ، فقال صالح - عليه السلام - : { يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين } [ الأعراف : 79 ]. ولقد مرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على ديار ثمود ( المعروفة الآن بمدائن صالح ) وهو ذاهب إلى تبوك سنة تسع من الهجرة ، فأمر أصحابه أن يمروا عليها خاشعين خائفين ، كراهة أن يصيبهم ما أصاب أهلها ، وأمرهم بعدم دخول القرية الظالمة وعدم الشرب من مائها . [ متفق عليه ]. منقول وأنتم سالمون وغانمون والسلام .

 







توقيع :

  رد مع اقتباس