الرياضة تتطور بالعدل وليس بالمجاملة .. الأوطان كذلك
إن أحد أهم مأزق العقل العربي هروبه الدائم من نقاش قضية ما أو مشكلة لإيجاد حلول لها ، وعادة ما يكون الهروب إلى التاريخ لاستحضار قصص مشابهة ، كأن يقول أحد ما "نادي الاتحاد حصل على تسهيلات أكثر في العام الماضي" ، أو خلق مؤامرة كأن يقال لنفي تهمة مجاملة ناديه "إن هناك مؤامرة محاكة من لجنة المسابقات لمصلحة نادي الاتحاد ، وإلا كيف يتم وضع روزنامة بأن يقابل الهلال الاتحاد بعد مباراة ثمن نهائي محترفي آسيا ، ثم يلعب الشباب مع الاتحاد وفي جدة بعد نصف نهائي آسيا ، وأن الهلال والشباب هما المنافسان للاتحاد على الدوري ، وهناك من يعمل لمصلحة الاتحاد" .
هذا التشعب سيؤدي إلى ضجيج ونقاش بيزنطي فلا يتم مناقشة القضية الحالية ، وبالتأكيد لا يمكن إصلاح المجاملة التي حدثت للاتحاد العام الماضي ـ هذا على افتراض أن هناك مجاملة ـ لأنها أصبحت بالماضي ، ولا يمكن معرفة من طبخ المؤامرة لوضع الهلال والشباب في مواجهة منافسهما الهلال بعد كل مباراة آسيوية ، وهل هي اللجنة أم مندوبي الأندية الذين لم يكن لديهم اعتراض على الجدول أم الصهيونية ؟
من المؤكد أن هذا الطرح لن يؤدي لتطوير ورفع نسبة العدل الذي هو المسئول الوحيد عن جعل الوضع الرياضي مستقرا ، مسئول أيضا عن جعل المجتمعات مستقرة وغير قابلة للتشرذم والتمزق .
ومع الوقت ومع الضجيج سيصاب العقل العربي بالملل وسيكف عن نقاش هذه القضية وسيتركها كما هي دون أن يصل لحل أو قرار حولها وهل هذا العمل صائب أم مضر للرياضة ؟
علي أن أؤكد أن هذه القضية ستفتح مرة أخرى ولكن في المستقبل حين تحدث قضية مشابهة لها ، فهناك من سيحضرها ليخفي القضية المستقبلية أو كما يقول عادة العقل الطفولي "تذكروا في ذاك العام أجلوا للهلال مباراة ليه زعلانين الآن" ؟
ويبقى السؤال الأهم : لماذا يحدث هذا ؟
ـ لا أعني هنا ما حدث للهلال فقط ، بل لو كان أي ناد في وضع الهلال حاليا ، سينقسم الشارع الرياضي ، وسيهربون للتاريخ ولن يناقشوا القضية الحالية ، وسيصنعون نفس الضجيج الآن .
أعود لسؤال "لماذا يحدث هذا" ؟
لأقول : إن فكرة العدل والحق لا تأتي بالعقل العربي في المرتبة الأولى ، فالحق والعدل لهما قيمتهما بشرط ألا يتصادما مع مصالح الإنسان العربي ، لأنهما إن تصادما في الغالب سيدوس عليهما وسيخلق ضجيجا ليحقق مصالحه الشخصية ، وكل هذا لأن العقل العربي لم يتدرب ومنذ الصغر على هذا الأمر ، بل هو ـ أي الإنسان العربي ـ وفي طفولته يشاهد كيف هم الكبار حتى في بيته لا يحترمون الحق والعدل ، فحين يخطئ الأب/العم/الخال/الأخ الأكبر على الصغير ، من العيب أن يعتذروا له ، بل عليه أن يذهب ليطلب الصفح مع أنهم هم من أخطئوا ، فينشأ هذا الطفل وليس لديه رؤية واضحة نحو العدل والحق أو لا يحترمهما إلا حين يحققان مصالحه ، وحين يكونا ضد مصلحته الشخصية يثير الضجيج ليخفي ما حدث .
دعونا ننتزع القضية بعيد عن الألوان والأسماء ، بعيدا عن كل هذا الضجيج دون أن نحضر الماضي أو المؤامرة لأسأل اتحاد كرة القدم : لنفرض أن نادي "س" لديه مباراة مجدولة مع ناد "ص" ، لكن "س" وبسبب ظروف معينة خسر خدمات أهم لاعبيه ، فطلب تأجيل مباراته مع "ص" المنافس له على الدوري ، هل أنظر لظروفه بعين الاعتبار أم أتعاطف مع ظروفه ولا أقبل طلبه ؟
الإجابة على هذا السؤال تحتاج تأمل المستقبل ، لأن قراري هنا مرتبط بالمستقبل وليس بالماضي ، فقراري يعني أنني سننت قانونا جديدا ، فما الذي سأفعله لو أنني وبعد أن أعدت جدولة مباراتهما المؤجلة تعرض فريق "ص" لنفس الظروف وأصيب أهم لاعبيه وطلب التأجيل ؟
ثم ما الذي سأفعله لو أن كل فريق تعرض لظروف الإصابات طالب بمساواته بناد "س" ؟
هذه الأسئلة مهمة دائما وعلى المسئول طرحها قبل أن يصدر أي قرار ، لأن القرار يعني سن قانون جديد ، والقوانين عليها أن تحقق العدل والمساواة .
أخيرا .. أتمنى ألا يأتي أحد ويقول لي : "أين الوطنية ، ولماذا أغفلتها فنادي "س" في مهمة وطنية ؟
فإجابتي وباختصار ستكون : إن كان لابد أن نتحدث عن الوطنية ، فالأوطان تنمو وتتطور بالعدل والحق والمساواة ، وليس بالمجاملة ، الرياضة كذلك .
** صالح الطريقي