بسم الله الرحمن الرحيم
النزاع العربي الشعوبي
ان الآداب هي أهم عناصر ثقافة الشعوب وربما هي مصدرها الأول، والآداب بما فيها الشعر، والقصة، والخطبة والحكاية ، والأمثال مرآة صادقة لأنها تعكس الخلفيات النفسية والأخلاقية للشعوب وتعتبر مقياسا لتحضرها ، وعادة ما يكون الأدباء هم حلقة الوصل الأولى التي تربط بين الشعوب فكريا و ثقافيا وذلك لما يقدمونه من صور جمالية تعبر عن الواقع القائم وتركز على اظهار الجوانب الشفافة المرهفة في الإنسان والطبيعة ، ولكن مفهوم الادب عند الحركة الشعوبية اتخذ منحى مغايرا . و يندرج ضمن مفهوم الشعوبية كل من هم من غير العرب , وقد انتشرهذا التيار في بداية الأمر بين المسلمين الفرس لأنهم أول من دخل الإسلام من غير العرب ثم ظهر شعوبيون أتراك وهنود وحتى من مولدي الأندلس .
كانت النزعة الشعوبية عند الفرس أقوى منها عند غيرهم فهم أكثر تحضراً من العرب , ولديهم نزعة فوقية مغرورة تغذي نوازع التعصب لديهم ، وهم الفئة الاكثر عددا بين الموالي ، ولهم اسهامات عظيمة في الفقه والنحو وبقية العلوم .
اعتمدت الشعوبية الادب وسيلة لزرع بذور الشقاق والعنصرية والكراهية في نفوس أبناء الامة من غير العرب ومن غير المسلمين ( المجوس وعبدة النار ) تجاه اخوتهم العرب خاصة والإسلام عامة ، وكان الشعر احد أهم الادوات التي استغلت في هذا الإتجاه لكونه اكثر التصاقا في عقول الناس واسهل حفظا وبالتالي يمكن تداوله بين الناس بيسر وسرعة , وقد بلغت الشعوبية اوج نشاطها في العصر العباسي حتى عدت ظاهرة بارزة من مظاهر الحياة العامة في العصر العباسي قامت بدور تخريبي متسترة وراء المساواة الاسلامية والتسامح الديني ، فلما شارك الفرس في الحكم بدأت تبدي وجهها الحقيقي المفضوح المعادي لكل ما هو عربي واسلامي على حد سواء .
وقد نجحت الشعوبية في تشويه تاريخ بعض الشخصيات العربية البارزة وترد هذه الأخبار في كتب الأخبار والطرائف فتحصي أصحاب العاهات والبخلاء والجبناء من سادة العرب كالحديث عن أبي سفيان أو حكاية وضاح اليمن وزوجة الوليد بن عبد الملك وحتى الترويج لبعض الأحاديث الضعيفة التي تنسب زوراً للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) التي تنهي عن محاربة الأتراك أو الأحباش وتمتدح الفرس واسمع الى الشعوبية الحاقدة في ماقاله اسماعيل بن يسار يخاطب امرأة عربية يذم قومها :
واسألي إن جهلت عنا وعنكم
كيف كنا في سالف الأحقاب
إذ نربي بناتنا ، وتدســـــــون
سفـــــاحاً بناتكم في التراب
ولنسمع ايضا الى مهيار الديلمي وهو يقول :
لا تخــالي نسباً يخفضـــــــــني
أنا من يـرضيك عندَ النسبِ
قومي استولوا على الدهر فتى
ومشوا فـوق رؤوس الحِقبِ
عمموا بالشمس هـــاماتِهــــــم
وبنـوا أبياتهـــــــــم بالشهبِ
فأبي " كسرى " علـى إيوانهِ
أين فــي الناس أبُ مثل أبي
ولاتخفى نزعة التعجرف والاستعلاء على العرب والاحتقار لهم من النصين السابقين . لم تقتصر وسائل الشعوبيين في التعبير عن عدائهم للعرب على الشعر فقط بل سعوا كذلك في استخدام القصص وألاساطير وسيلة للحط من منزلة العرب وتأليب روح العداء في نفوس الأجيال فارسية اللاحقة ضدهم , وقدانطلقت الحملة الشعوبية ضد العرب بعد ما أخذت الحضارة الإسلامية تزدهر وتنتشر بواسطة اللغة العربية التي طغت على لغة الأقوام والشعوب التي فتح الإسلام ديارها ، فالعربية إضافة إلى كونها لغة القرآن الكريم ، أصبحت فيما بعد لغة الفقه والآداب و علوم الطب والصناعة ، وكانت مدارس خراسان ونيسابوروغيرها من مدارس بلاد فارس وبخارا و سمرقند عربية خالصة ، وقد وضع أساطين العلوم الفلسفية والطبية والأدبية من أبناء تلك الديار من أمثال البيروني والفارابي والرازي جميع مصنفاتهم باللغة العربية وهذا ما اثارالشعوبين واغاظهم ، ولما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب وكان العرب اقل الأمم عندهم خطرا تعاظم الأمر وتضاعفت لديهم المصيبة وراموا كيد الإسلام بالمحاربة وقد اتخذ الصراع بين العرب والشعوبية ألوانا مختلفة ، فقد وقفوا في وجه انتشار اللغة العربية وللتهوين من شأن العرب والانتقاص منهم ترجم الشعوبيون المتعصبون كتبا في مناقب العجم وافتخارهـم ورجم العرب بالمثالب وتحقيرهم منها كتاب " مثالب العرب " لهشام بن الكلبي , وفضائل الفرس لابن عبيدة .
فكان لابد من مقارعة الفكر بالفكر والادب بالادب وانبرى ثلة من المفكرين والادباء ممن ادركتهم الغيرة على دينهم واصولهم العربية العريقة فأخذوا يكتبون ويفسرون ويشرحون ويفندون اقوال خصومهم الشعوبيين فنشأ نوع جديد من الادب سمي بأدب المواجهات وكانت هذه المواجهات الفكرية والثقافية تشحذ الذهن وتقوى الحجة , وقد أغنت المكتبة العربية بتراث عظيم فاق في نوعه وقيمته نوع وقيمة الادب الشعوبي الذي اندثر أكثره .
ومن الردود التي وصلتنا على الشعوبية والتي بقيت خالدة على وجه الدهر ردود الجاحظ وأبو حيان التوحيدي وابن قتيبة , وهم أقطاب سامقة في فلك الادب , وانحصر همهم في الدفاع عن العرب دون الإساءة إلى الشعوب الأخرى وهذا جانب انساني من الحضارة العربية الخالدة ، وقد كتب الجاحظ رده الشهير على الشعوبية فقال :
" اعلم انك لم تر قط قوما اشقى من هؤلاء الشعوبية ولا اعدى على دينه ولا اشد استهلاكا لعرضه ولا اطول نصبا ولا اقل غنما من اهل هذه النحلة ".
وبلغ من غيرة الجاحظ على لغته العربية انه رفض ان يعلم أحد الارمن اللغة العربية ويعرفه على اسرارها عندما علم كرهه للعرب , وكان هذا نوعا من رد الفعل على الاتجاه الشعوبي السائد .
وكلنا يذكر كيف واجه الاصمعي ادعاءات بشار بن برد وتفضيله الفرس على العرب وتخفيه تحت ستار الاسلام رغم انه كان مجوسيا فارسيا قتله احد الخلفاء .
استمرت المدرسة الشعوبية التى كان من أعمدتها الفردوسي والخيام وأبومسلم الخراساني وابوبكرالخرمي ومحمود الغزنوي تتناقل بين أحفادهم جيلا بعد جيل , ودأب الشعوبيون على شتم العرب بحجة الثأر منهم وأمروا كتابهم ووعاظهم بوضع الرواية و الكتب التي ملؤها الشتم واللعن للعرب وعاداتهم القبلية , ولم يقتصر الامر على الفرس بل تعداه الى الاتراك ايضا , وعندما انحسر مد النفوذ الفارسي عن الدولة العباسية وتعاظم النفوذ التركي استولوا على السلطة وابعدوا القادة العرب من امثال " ابودلف العجلي " عن الجيش وسيطروا على القصر بما لهم من قيان وجوار وخدم داخل القصور والمقاصير , ووصلوا الى مرحلة انهم كانوا يعزلون الخليفة ويقتلونه اذا لم يعجبهم , وقد بدأ هذا الامر بقتل المتوكل الذي حاول التخلص منهم ولكنه لم يفلح , ووجد المتوكل في ذلك مبعثا على الحزن والرثاء وهو يجد قصر الجعفري وقد بدل عزاً بذل ومهانة بعد مهابة :
تغير حسن الجعفري وانســــــــه
وقوض بادي الجعفري وحاضره
تحمل عنه ساكنوه فجــــــــــــاءة
فجاءت سواء دوره ومقابــــره
فاين الحجاب الصعب حيث تمنعت
بهيبتها ابوابه ومقاصــــــــــــره
واين عمــــيد الناس في كل نوبة
تنوب وناهي الدهر فيهم وآمره
وقد اطلق على المواجهات الادبية السابقة الذكر اسم " المواجهات الداخلية " حيث كانت تحصل ضمن المجتمع وبين افراده وادبائه وكتابه من الشعوبيين والعرب اما المواجهات الخارجية فقد تمثلت بشكل حروب دموية بين العرب وغير العرب من الشعوبيين الذين لاحظوا ان خطتهم في القضاء على اللغة العربية وتشويهها لم يجد نفعا فحاولوا استئصال العنصر العربي أو عزله وكان منهم الاعاجم في بلاد فارس وماوراء النهر فنشأت الدول الساسانية والخرمية والغزنوية , وشن الروم هجماتهم على الثغور , واستولى الاخشيد على مصر , وأخذت الشعوبية مظهرا آخر فنوعها الاول كان معاديا للعرب ( كالفرس والترك ) أما نوعها الثاني فهو مختلف ويعادي الاسلام وأهله ( الروم البيزنطيون ) وقد حارب المعتصم الروم الذين استباحوا حرمات المسلمين في " زبطرة " فانتصر عليهم انتصارا فائقا في وقعة عمورية التي خلدها ابو تمام بقوله :
السيف اصدق انباء من الكتــــــــــب
في حده الحد بين الجد واللعــــــب
بيض الصفائح لاسود الصحائف ف
ي متونهن جلاء الشك والــــــــــريب
وسماها فتح الفتوح وكانت هذه الموقعة انتصارا للاسلام وأهله وهو انتصار كبير للمسلمين على عدوهم الشعوبي الرومي كما حاربت الدولة الحمدانية الروم ودافعت عن ثغور الوطن العربي وكلنا يذكر وقعة الحدث الحمراء الخالدة التي وصفها المتنبي فأجاد اجادة مابعدها اجادة :
هل الحدث الحمراء تعرف لونهـــــا
وتعرف أي الساقيين الغمائم
اتوك يجرون الحديد كانهــــــــــــــم
اتـــــــــــــوا بجياد مالهن قوائم
ضممت جناحيهم على القلب ضمـة
تموت الخوافي تحتها والقوادم
وفي القصيدة وصف لعظمة الانتصار وبطولة سيف الدولة ووصف مرعب لجيش الروم المسربل بالحديد ولايخفى على أحد سعادة المتنبي بانتصار العرب على الروم , وقد بلغ حب المتنبي للعنصر العربي درجة التعصب حيث قال عن قناعة مطلقة ان العرب لن يفلحوا اذا ولّوا عليهم أعجمياً :
وانما الناس بالملوك ولن
تفلح عرب ملوكها عجم
ولذلك سمي المتنبي عن جدارة شاعر العروبة .
ان هذه الحروب الدامية بين العرب من جهة وبين الشعوبية من جهة أخرى أو بين المسلمين من ناحية وبين الشعوبية من الناحية الثانية أرخت بظلالها على الادب والشعر كما لاحظنا لأن الادب سرعان مايتأثر بما يحيط به فيأتي مرآة لواقعه فهو يدخل من حيث لايدري في المواجهة المميتة .
وقد مجد الشعراء بطولات ابطال المواجهات الحربية وذكروا استماتتهم في المعركة ودفاعهم عن عروبتهم واسلامهم وتستوقفنا هنا محاورة ابي فراس الاسير عند الروم مع امبراطور الروم فقد قال له الامبراطورية انتم العرب لاتعرفون الحرب بل الشعر فقط فقال له ابوفراس بشجاعة مدهشة :
اتزعم ياضخم اللغاديد انــــــــنا
ونحن دعاة الحرب لانعرف الحربا
لقد جمعتنا الحرب من قبل هذه
فكنــــــــــا بها اسداً وكنت بها كلبا
أي اننا لم نفتح البلدان والامصار بالاقلام فقط بل بالسيوف البواتر .
أما ابطال الصدام والحروب ضد الشعوبية الذين كانوا يقعون في الاسر فكان همهم وصف معاناتهم في السجن وشدة ثقل القيود والاغلال في ارجلهم والبعد عن الاهل والوطن ومجاورة الغرباء . قال ابو فراس يصف حاله مأسورا في حصن خرشنة والقيود تثقل رجليه :
يا حسرة ما أكاد أحملـــــــــها
آخـــــــــــرها مزعجٌ وأولها
يا مَنْ رأى لي بحصن خرشنة
أسد شرى في القيود أرجلها
يا من رأى لي الدروب شامخة
دون لقاء الحبيب أطولـــــها
يا من رأى لي القيود موثقـــــة
على حبيب الفؤاد أثقلـــــــها
وهذه القصيدة الحزينة تعبر أصدق تعبير عن حاله في سجن الروم وقد ادمى القيد رجليه وتباعد عنه احباؤه ورفاقه ولكنه أسد جريح لم يقم بما قام به الا دفاعا عن العرب , ويخاطب سيف الدولة في نفس القصيدة يصف كيف يلبس الخشن من الثياب ويجر صخرة ربطت برجله بينما يتنعم سيف الدولة بعيشه المرفه :
يا واسعَ الدار كيف توسعها
ونحن في صخرة نزلزلها
يا نــــاعمَ الثوب كيفَ تبدله
ثيــــابنا الصوف ما نبدلها
يا منفـــــق المال لا يريد به
إلا المعـــــالي التي يؤثلها
انه عتاب المحتاج ، عتاب يكاد يتحول إلى ألم وشكوى ، ويستغرب كيف ينفق سيف الدولة الأموال على الشعراء ويبخل بفدائه .
وعلى العموم فان الشعوبية في شكلها القديم من بابكية أو خرمية أو فارسية انتهت ولكنها تجدد نفسها على الدوام وهي الآن تلبس ثوبا غربيا اوروبيا أو امريكيا أو مسيحيا صهيونيا وقد قدر الله على هذه الامة التي اختصها الله بالقرآن العربي الذي نزل بلسان عربي مبين ان تكون دوما مثار حسد الامم الاخرى وهدفا لهجمات اعدائها من الشعوبيين الجدد ولاتزال محاولات طمس الحضارة العربية وتشويه صورة علمائها وانجازاتها نشطة ومتواصلة وستبقى نشطة الى أن يمتلك العرب زمام القوة ومفاتيح الحضارة من جديد . ونصر بن سيار اول من نبهنا برسالة مفتوحة لكل عربي
كان نصر بن سيار آخر ولاة الأمويين على خراسان في أواخر العقد الثاني وأوائل العقد الأول من القرن الثاني للهجرة ، وكان والياً محنكاً حازماً . فاستشعر بوادر الانفجار ونذر الخطر ( الفارسي ) وكتب إلى يزيد بن عمر بن هبيرة والي العراق في تلك الأيام ، يعلمه في أبيات من نظمه ما شاع بخراسان من الاضطراب في العامين الماضيين ، ويحذره من خطورة الوضع ، ويصارحه أنه إذا استمر في التدهور ولم يعالج معالجة حازمة ، فأنه سيؤدي لا محالة إلى عاقبة وخيمة وكارثة عظيمة - ضد الهوية العربية الاسلامية وكل من يوالي العرب ويحبهم -. ( الطبري 9: 1973، ومروج الذهب 3: 257 )
ويقول:
ابلغ يزيد وخير القول أصدقه
وقد تبينت ألا خير في الكذب
إن خراسان أرض قد رأيت بها
بيضا لو أفرخ قد حُدّثت بالعجب
فراخ عامين إلا أنها كبرت
لمّا يطرن وقد سربلن بالزغب
فإن يطرن ولم يُحتل لهن بها
يلهبن نيران حرب أيّما لهب
فلم يمده بأحد لأنه كان مشغولا بمجالدة الخوارج في العراق فاستغاث بآخر خلفاء بني أمية في الشام مروان بن محمد . وأعلمه حال أبي مسلم ، وخروجه ، وكثرة من معه ، ومن تبعه . وأخبره بغوائل الفتنة القائمة ودواهي الكارثة القادمة ، إن لم ينجده بمدد من عنده ( الدينوري ص 357. والعقد الفريد 4: 478. ومروج الذهب 3: 255 ). و ( الطبري 9: 1973. والأغاني طبعة دار الكتب 7: 56. وابن الأثير 5: 365 ). فكتب ينذره ويحذره شعراً :
أرى خلل الرمـــــــــــــاد وميض جمر
ويوشك أن يكون له ضــــــــــــــــــرام
فإن النار بالعودين تُذكـــــــــــــــــى
وإن الحرب أولها كـــــــــــــــــــــلام
فإن لم يطفئها عقلاء قوم تكن حربـاً
مشمرة يشيب لها الغـــــــــــــــــــلام
فقلت ياليت شعــــــــــــــــــــــــــري
أأيقاظ اميــــــــة ام نيــــــــــــــــــام
فإن يقظت فذاك بقــــــــــــــــاءُ مُلكٍ
وإن رقدت فانـــــــــــــــــــي لا أُلام
فإن يك أصبحوا وثووا نيامــــــــــاً
فقل قوموا فقد حان القيــــــــــــــام
ففرّي عن رحالك ثم قولــــــــــــــي
على الإســــــــلام والعرب الســــلام
ولكن مروان لم ينجده ، لأنه كان مشغولاً في الشام بالاقتتال بين القيسية واليمانية . وعندما قطع الأمل وفقد الرجاء أخذ يبث همومه وشجونه إلى العرب في المدينة ، محاولاً أن يستثمر نخوتهم الدينية وعزتهم القومية وناشدهم أن يكفوا عن الاقتتال فيما بينهم وأن يجتمعوا على كلمة سواء ، توحد سواعدهم وقلوبهم للوقوف بوجه أبي مسلم وخطره الذي أصبح يهدد وجودهم ومصيرهم ( الدينوري ص 361. والعقد الفريد 4: 479. وابن الأثير 5: 367 ) فكتب يقول شعراً :
أبلغ ربيعة في مرو وإخوتــــــــها
أن يغضبوا قبل أن لا ينفع الغضـبُ
ما بالكم تلقمون الحرب بيـــــــنكم
كأن أهل الحجا عن فعلكم غُيُـــبُ
وتتركون عدواً قد أظلكــــــــــــــم
فيمن تأشبَ لا دين ولا حســــــــبُ
ليسوا إلى عــرب منا فنعرفـــــهم
ولا صميم المــوالي إن هُمُ نُسبــوا
قوم يدينون دينـاً ما سمعت بــــــه
عن الرسول ولا جاءت به الكــــتبُ
مَمَنْ يكن سائلي عن أصل دينــهم
فإن دينهم أن تُـقـتلَ الــعــــــــربُ
لعمري ، ما أشبه اليوم القريب بالأمس البعيد. والشيء بالشيء يذكر . حتى لكأن نصر بن سيار قد كتب في القرن الثاني للهجرة رسالة مفتوحة إلى أبناء الأمة العربية في هذا الزمن الرديء والوضع السيئ من أوائل القرن الواحد والعشرين بعد الميلاد . وأطلقها سهما مضيئاً يخترق ظلمات المجهول وحجب الغيب ويطوي فيافي الزمن وأستار التاريخ ، ويدوي في آذاننا وعقولنا وضمائرنا كما يدوي جرس الإنذار ونداء الخطر ( الشعوبي- قتل العرب - ) وها هو نصر بن سيار يعود إلى قومه من جديد ويخاطبهم مرة أخرى مستنهضاً الهمم والعزائم ومستثيراً قيم العزة القومية وتقاليد النخوة العربية والإسلامية . فلا نامت أعين الظالمين ولا شُلّت سواعد المظلومين ولا ارتفعت بيارق الظلم . ورحم الله نصر بن سيار الذي حاول ايقاظ العرب من سباتهم ولكنهم كانوا نياما فمات حزنا وكمدا على ماتوقع ان يحدث لامته العربية بعد ان فقد الامل بوصول المدد اليه من مروان بن محمد اخر خلفاء الدولة ( الاموية ) العربية قال الشاعر :
نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا
منقول يتصرف وانتم سالمون وغانمون والسلام