إبحار مع الشاعر التونسي الكبير / أبي القاسم الشابي رحمه الله تعالى
لـــــحـن الــحـيآة
إذا الشـــعبُ يومًــا أراد الحيــاة= فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ
ولا بــــدَّ لليـــل أن ينجـــلي =ولا بــــدّ للقيـــد أن ينكســـرْ
ومــن لــم يعانقْـه شـوْقُ الحيـاة =تبخَّـــرَ فــي جوِّهــا واندثــرْ
فــويل لمــن لــم تَشُــقهُ الحيـا ة= مــن صفْعــة العــدَم المنتصـرْ
كـــذلك قــالت لــيَ الكائنــاتُ= وحـــدثني روحُهـــا المســـتترْ
ودمــدمتِ الــرِّيحُ بيــن الفِجـاج= وفــوق الجبــال وتحـت الشـجرْ:
إذا مـــا طمحــتُ إلــى غايــةٍ =ركــبتُ المُنــى, ونسِـيت الحـذرْ
ولــم أتجــنَّب وعــورَ الشِّـعاب =ولا كُبَّـــةَ اللّهَـــب المســـتعرْ
ومن يتهيب صعود الجبال= يعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحــفرْ
فعجَّــتْ بقلبــي دمــاءُ الشـباب= وضجَّــت بصـدري ريـاحٌ أخَـرْ...
وأطـرقتُ, أصغـي لقصـف الرعـودِ =وعــزفِ الريــاحِ, ووقـعِ المطـرْ
وقـالت لـي الأرضُ - لمـا سـألت:= أيــا أمُّ هــل تكــرهين البشــرْ?
أُبــارك فـي النـاس أهـلَ الطمـوح =ومــن يســتلذُّ ركــوبَ الخــطرْ
وألْع. مــن لا يماشــي الزمـانَ =ويقنـــع بــالعيْشِ عيشِ الحجَــرْ
هــو الكــونُ حـيٌّ, يحـبُّ الحيـاة= ويحــتقر المَيْــتَ, مهمــا كــبُرْ
فـلا الأفْـق يحـضن ميْـتَ الطيـورِ= ولا النحــلُ يلثــم ميْــتَ الزهـرْ
ولــولا أمُومــةُ قلبِــي الــرّؤوم= لَمَــا ضمّــتِ الميْـتَ تلـك الحُـفَرْ
فــويلٌ لمــن لــم تشُــقه الحيـا ة, =مِــن..... العــدم المنتصِـرْ!
وفــي ليلــة مـن ليـالي الخـريف= مثقَّلـــةٍ بالأســـى, والضجـــرْ
ســكرتُ بهـا مـن ضيـاء النجـوم =وغنَّيْــتُ للحُــزْن حــتى ســكرْ
سـألتُ الدُّجـى: هـل تُعيـد الحيـاةُ, =لمـــا أذبلتــه, ربيــعَ العمــرْ?
فلـــم تتكـــلّم شــفاه الظــلام =ولــم تــترنَّمْ عــذارى السَّــحَرْ
وقــال لــيَ الغــابُ فــي رقَّـةٍ= مُحَبَّبَـــةٍ مثــل خــفْق الوتــرْ:
يجــئ الشــتاءُ, شــتاء الضبـاب= شــتاء الثلــوج, شــتاء المطــرْ
فينطفــئُ السِّـحرُ, سـحرُ الغصـونِ =وســحرُ الزهــورِ, وسـحرُ الثمـرْ
وســحرُ السـماءِ, الشـجيُّ, الـوديعُ =وســحرُ المـروجِ, الشـهيُّ, العطِـرْ
وتهـــوِي الغصــونُ, وأوراقُهــا= وأزهــارُ عهــدٍ حــبيبٍ نضِــرْ
وتلهــو بهـا الـريحُ فـي كـل وادٍ,= ويدفنُهَــا الســيلُ, أنَّــى عــبرْ
ويفنــى الجــميعُ كحُــلْمٍ بــديعٍ,= تـــألّق فـــي مهجــةٍ واندثــرْ
وتبقــى البــذورُ, التــي حُـمِّلَتْ =ذخــيرةَ عُمْــرٍ جــميلٍ, غَــبَرْ
وذكــرى فصــولٍ, ورؤيـا حيـاةٍ, =وأشــباحَ دنيــا, تلاشــتْ زُمَـرْ
معانقــةً - وهـي تحـت الضبـابِ,= وتحــت الثلـوجِ, وتحـت المَـدَرْ -
لِطَيْــفِ الحيــاةِ الــذي لا يُمَــلُّ =وقلــبِ الــربيعِ الشــذيِّ الخـضِرْ
وحالمـــةً بأغـــاني الطيـــورِ= وعِطْــرِ الزهــورِ, وطَعـمِ الثمـرْ
إن شاء الله تعجبكم :g042: