عندما تقترب من ساحلها وأنت على متن الباخرة (العبَّارة) التي تحملك من ميناء جازان إليها فأول ما يشدك للنظر هي تلك الألوان التي تكتسي بها سواحلها بين الخضرة والزرقة والحمرة فتهب الزائر منذ الوهلة الأولى حالة من الشغف، الذي ينتظر أن يملأه بما في هذه الجزر من أسرار الطبيعة والتاريخ، وهي جزر متناثرة على البحر الأحمر في الركن الجنوبي الغربي من المملكة العربية السعودية، وفي الجنوب الشرقي للبحر الأحمر مأهولة بالسكان الذي يصل عددهم إلى أكثر من خمسة عشر ألف ساكن. أما جزرها فيصل عددها إلى مائة وأربع وأربعين جزيرة متفاوتة المساحات، لتعد بذلك أكبر منظومة جزر في مياه المملكة، ومن المناطق الرئيسة لوجود حدائق وجبال المرجان التي توجد على سياحل البحر الأحمر التي تبدو للعيان ممن يمارسون الغوص في بحرها أو راكبي الطائرات المروحية ذات مناظر خلابة تكتنز بجمال لوني من أعماق البحر. والسياحة في جزيرة فرسان من نوع آخر، فأنت لست في مجرد جزيرة ساحرة غنية بالتضاريس المختلفة من جبال وأودية وسياحل بحرية ومناطق زراعية يقوم بها سكان قراها بشكل عفوي، بل هي من المحميات الفطرية المهمة التي أقامتها الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، فتكثر بها الغزلان والتي تسمى بغزلان الأدمي وبعض من أنواع الطيور النادرة مثل طيور الحجال التي تشبه الصقور، لذلك لا يتفاجأ الزائر لها وهو يعبر طرقها البرية بين قراها بلوحات تنبيهية لتهدئة السرعة مكتوب عليها: «تنبيه منطقة عبور غزلان». أو عبارة أخرى: «هذه محمية غزلان» والتي تعد من أهم سمات الجزيرة مما اعتاد عليها سكان القرى مثل قرية المحرق التي تجاور المحمية أو قرية صيّر التي تعد من مراكز وجود الغزلان المهمة فتسير الغزلان بمحاداتهم وهي مطمئنة بسبب الجهود التي تبدلها الهيئة الفطرية لحمايتها من الصيد. أما سواحل جزر فرسان فهي أيضا من نوع آخر كونها غنية بالحياة المرجانية والأحياء المائية المتنوعة والأسماك المختلفة، إلى جانب أنها من مصائد اللؤلؤ المهمة والتي اشتهر بها بعض سكانها ممن اعتمدوا في رزقهم على التجوال في البحر لصيد السمك واللؤلؤ، وتلعب الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية في فرسان دورا مهما أيضا في المحافظة على الحياة المائية متمثلة في حمايتها للسلاحف والدلافين التي يمكن مشاهدتها وهي تقفز وتلعب في خليج جنابة الذي يعد من أغنى المناطق في الجزيرة الأم بالحياة البحرية. وجزر فرسان ليست حديثة النشأة والسكن، يبرز ذلك من خلال الآثار التاريخية، التي تعود بعضها إلى قرون طويلة تأثرت فيها بالحضارات القديمة إذ بها بعض الآثار والنقوش التي تعود كما قيل، إلى عهد مملكة حمير، التي أقيمت في اليمن بسبب مشابهتها للآثار هناك، ووفقا لدراسة تاريخية قام بها أحد أبناء الجزيرة وهو غازي عبد الله حسن عقيلي، فإن الجزيرة كانت محطة التقاء واستراحة تجارية موسمية، وكان للبرتغال وجود بها كما يظن العقيلي، لكن فترة بقائهم ليست بطويلة بسبب العثمانيين ولم تمكنهم من ترك آثار لهم بها، أما الوجود العثماني بجزيرة فرسان فقد ترك آثارا مهمة بعدما سيطروا على الجزيرة في القرن السادس الهجري، وجعلوها بحيرة عثمانية وثكناتهم عسكرية لحماية ممتلكاتهم من البرتغاليين، وتشهد على ذلك القلعة العثمانية أو قلعة الأتراك، التي تقع شمال الجزيرة الأم بمحافظة فرسان، على مرتفع جبلي لتحتل موقعا استراتيجيا حربيا كونها تطل على معظم سياحل الجزيرة، وهي من أهم الآثار العثمانية في جزيرة فرسان إلى جانب بعض الثكنات العسكرية التي قاموا ببنائها. وقد اكتسبت جزر فرسان هذه القيمة التاريخية بسبب استراتيجية الموقع العسكري والاقتصادي المواصلاتي في الجزء الجنوبي من البحر الأحمر، وأشار إلى ذلك الكاتب والشاعر إبراهيم عبد الله مفتاح أحد أبناء الجزيرة في كتابه «فرسان بين الجيولوجيا والتاريخ» الأمر الذي أدى إلى تنافس وصراع دولتين أوروبيتين هما بريطانيا وإيطاليا، والتي انضمت إليهما ألمانيا بعد ذلك طامعة في هذه الجزر مستغلة تحالفها مع الترك، وتركت بعد ذلك أثرا من أهم الآثار التاريخية في إحدى جزر فرسان موجود إلى الآن في جزيرة قماح، متمثلا ببناء مستودع للفحم الحجري والدخيرة، متذرعة ألمانيا حينها بتزويد سفنها العابرة للبحر الأحمر به، وقد سمي هذا البناء ببيت جرمل من قبل سكان الجزيرة، كما أن فرسان وقعت تحت سيطرة الأدارسة وظلت كذلك حتى عهد الوصاية من قبل الملك عبد العزيز آل سعود، ومن أهم آثارها في جزيرة فرسان الأم أيضا، مسجد النجدي ومنزل الرفاعي أحد تجارها وغير ذلك. والسائح في جزر فرسان لا يتوقف عند معالمها التاريخية وتضاريسها الجغرافية المتنوعة ولا في محمياتها الفطرية فحسب، بل روح المغامرة من أبرز معالم السياحة التي يمكن أن تكتنف شعور زائرها كونه سيعتمد على نفسه في زيارة الأماكن التي يعد من الصعوبة الوصول إليها لوعورتها والتي تحتاج إلى دليل ومرشد خوفا من الضياع، ومن أشهر هذه المناطق الوعرة هي منطقة (القندل) التي تعد من أجمل مناطق الجزيرة، لكن ما أن يصل الزائر إليها سيجد تعبه الذي تكبده للوصول إليها تستحقه المناظر الساحرة، من مشاهد لغابات الشورى وأشجار القندل، التي تتخللها ممرات مائية، أما ساحل الفقوة الذي يقع شمال قرية الحسيّن فهي من المناطق الخلابة والغنية بالسمك والذي يتلون ساحلها بألوان ساحرة، ويضاف إلى هذه المناطق شاطئ جنابة الذي يعد صالحا للتخييم كونه من أجمل الشواطئ التي تشهد إقبالا من الزوار للجزيرة لنعومة رماله ونقائها وسهولة مشاهدة ظل جزيرة قماح التي ينتقل إليها البعض من خلال ساحل جنابة عبر قارب يسمى بالفلوكة، إلى جانب كثرة طيور العجام أو النورس، ومن أشهر جزرها القماري التي يكثر فيها طيور القماري وكذلك جزيرة قماح والسقيد وهندية وآمنة وبناتها وسمر وغيرها من هذه الجزر التي تتناثر حول الجزيرة الأم التي تقع فيها محافظة فرسان لتكون عاصمة للقرى والجزر حولها. وجزر فرسان التي تنضم لإمارة جازن من المناطق الخصبة تاريخيا وسياحيا لكنها تحتاج إلى الكثير من الاهتمام والمشاريع السياحية لتسهيل العديد من الاحتياجات والخدمات التي تتطلبها زيارة السياح لها، لذلك فهي تشهد اهتماما من إمارة المنطقة وتنتظر المشاريع السياحية لتكون بها جزائر الحلم المتناثرة في البحر الأحمر.
م ن ق و ل