كانت قرية أو مزارع خفس دغرة رأس على علم ، تلاشى هذا الصيت منذ ما يقارب العشرين عاما أو تزيد ، لوقوعها بالقرب من الخرج ومن الدلم ، فهي إلى الجنوب الغربي من الخرج ( السيح ) بما يقارب الخمسة وثلاثين كيلا عبر طريق صحراوي ، وإلى الجنوب الشرقي من الدلم وبلدة زميقة بحدود العشرين أو تزيد عبر طريق مزفلت ، يتجاوز الخفس ليصل إلى مزارع المرداسية ويقف قبيل تقاطعه مع وادي العقيمي الذي يتوقف في روضة الخفس بين النفود غربا ، والجبل شرقا .
سبب تسميته بخفس دغرة ( حسب الرواية القديمة جدا التي سمعتها من بعض كبار السن الذي عملوا هناك فترة من الزمن ، تقول الرواية أن شابة بدوية غُصبت على زوج يكبرها بكثير ، مع حبها لابن عمها ، حاولت رفض هذا الزواج ، فما كان لها حلا سوى إلقاء نفسها بمياه هذه العين ، فنسبت العين إليها - خفس دغرة - لا أؤمن بهذه الرواية كثيرا لأن المرأة في ذلك الوقت لا ترفض من يختاره والدها أبدا ، وأوردتها كما سمعتها ) .
ويقع الخفس عند الإحداثية : N47.11.32 *** E23.50.4
يقع خفس دغرة جغرافيا إلى الغرب من جبل الدام ( الذي يظهر سفحه في الصورة السابقة ) الممتد من جنوب غرب الخرج وحتى مسافة تزيد على الثلاثين كيلا جنوبا ، ينحدر هذا الجبل شرقا انحدارا تدريجيا كسائر جبال هضبة نجد .
( الصورة التالية للمقارنة بين أطراف زميقة والخفس ويفصلهما نفود جليدانة نسبة لقليب جيلدانة ، نسبة إلى جليدان مسؤول حفرها وتظهر عند انحناء الطريق المزفت داخل النفود وعلى يمين المتجه للخفس) ..
بُدأ في مشروع خفس دغرة عام 1354هـ ( 1935م) تقريبا ، بأمر من الملك عبدالعزيز ، وكان أول وأكبر مشروع ضخم في الجزيرة العربية ، وكان أول انتاج له عام 1358هـ ( 1939م ) ، كانت بدايات هذا المشروع الذي يعتمد على المياه المرفوعة من عين خفس دغرة ، كانت بداياته بقدر ضعف موارد الحكومة المالية آنذاك ، فكانت الآلات حسبما قرأت وسمعت أنها آلات بسيطة جدا تناسب كميات الأعلاف والحبوب المزروعة حينها .
كان الوزير الأوحد ابن سليمان هو المتصرف بالمشروع ، وقد عين عليه ابرهيم الفرج المعروف ب حبودل وهو من أهل عنيزة ، لجدارته ( توفي عام 1406 هـ رحمه الله حسبما قيل لي ) ، كان ذو شخصية قوية جدا ، ولا ينقصه الإخلاص كأغلب أهل ذلك الزمن ، حيث يحسبون كل عمل أوكل إليهم ملك لهم ( بعكس أغلب أبناء هذا الزمن ) .
رُويت عنه طرائف كثيرة ، منها ما قاله لي أحد كبار السن : أنه يتابع العمال في في صلاة الفجر ، وكان يُعاقب من يتأخر عن الصلاة ، فكان أن تأخر أحد العمال عن الصلاة ركعة واحدة ، سلم الإمام ، فسلم العامل المتأخر معه لم يكمل الركعة الثانية خوفا من العقاب ، وبعد أن انصرف حبودل ، قام العامل ليصلي مرة أخرى ، لاحظه أحدهم فقال : والصلاة اللي قبل شوي ؟؟ قال ذيك لحبودل ، وذي لربي .. قصده لايريد أن يراه حبودل متأخرا عن الصلاة فتظاهر أنه حضر قبل الإقامة ..
- تطور هذا المشروع ، وتم في عام 1363هـ ( 1944م ) استقدام مقاولا مصريا ، ومعه أحضر عددا من المهنسين والعمال ، لبناء مبنى لمكائن الكهرباء ، وبنو المبنى الظاهر في الصور التالية ويعرف بالعنبر :
وهنا تظهر العين إلى يمين الصورة ، بعد أن تهدمت بسبب فتح ساقية من الوادي ليصب مياهه فيها ، مما أدى إلى جرف التربة بشكل كبير ، الهدف هو حماية الرشاشات المحورية الموجودة قبل فترة من السيل .
هذا المبنى الجميل من أفضل المباني هندسة في ذلك الوقت ، بني من حجارة مقولبة جلبت من الجبل المجاور ، و بنيت بالجص المجهز في فرن يقع إلى الشمال منه ، بُني بشكل دائري وقد رأيته عدة مرات ودخلته ، لكن في المرة الأخيرة وجدته قد هُدم مع جميع البيوت الطينية في القرية لأمور أمنية .. وندخل المبنى عبر الباب الرئيس الواقع غربا تقريبا :
في فصل الصيف يكون الجو داخله لطيفا جدا مقارنة بحرارة الجو خارجه .
ومن داخل المبنى نشاهد الأعمدة البارزة وكان عليها ( حسبما قيل ويظهر ) مزالج للونش ،وقد ترون بعض التذكارات في أعلى الجدارن ، مشى كاتبوها على هذه المزالج قبل أخذها من قبل تجار الخردة حيث يظهر من قواعد مكائن الكهرباء أسفل الصورة ، النوافذ إلى اليمين يقابلها مثلها إلى اليسار فتكون تيارا منعشا صيفا ، وقد وجدت في أكثر زيارتي له أنه مشغول بالكشاتة خاصة في فصل الصيف.
أسفل هذا الدور يقع قبوا على ما يبدو أنه مُعد ليكون مخزنا ، ارتفاع سقفه بحدود المترين ، وحيث إمتلأ بالوساخات - أكرمكم الله - التي تُلقى فيه من الفتحة الموجودة في داخل المبنى ، و مع شدة الحرارة واحتمال ظهور الثعابين فخفت النزول إليه ..
وهنا تظهر العين وبقايا أنابيب رفع المياه التي ركبتها شركة أرامكو بعد أن حسنت المشروع ، وأدخلت تعديلات حديثة عليه ، واستقدمت أربعة خبراء مصريين للإشراف على الزراعة .
يلاحظ انجراف التربة داخل العين ( يمين الصورة ) حيث كانت أعمق بكثير مما هي عليه الآن :
هنا يظهر قاع العين وقد بدأت تتراكم فيه كميات من الطين المصاحب للمياه ، و للمعلومية فكانت العين بصورتها القديمة تشبه جحر الضب ، وليس مثل الآن وكما هو ظاهر الصور السابقة بعد ان سقط الرف البارز من الجبل والشبيه بالبلكونة ..
من هنا تستطيع النظر إلى قاع العين مع الحذر الشديد خوفا من تساقط الصور ، و يمارس بعض أهل الصيد القتل غير المبرر ، لأنه يرمي الطيور التي توطنت في العين ، مع علمه أنه لن يستطيع أخذ الصيدة إلا .. لو أحضر ( ونش ) ، ويظهر كبر عدد المظرفات النارية ..
بعدها بسنوات أُحضرت أعداد كبيرة من خيول الحكومة الأصايل لخفس دغرة ، وبنيت لها حضائر ، وأصبح المشروع يزرع أغلب انتاجه أعلافا لها ، حيث قدر لي أحد كبار السن الذين عمل لسنتين بحدود عام 1377هـ بالمئات ، ثم بنيت لها اسطبلات حديثة موجودة الآن بشمال الخفس ، وبعدها بمدة ، يُقال أن أكثرها أصالة نقلت لمشروع ديراب ، ووزع الباقي على من يريد ، حيث بدأ انتشار السيارة بكثرة في أواسط الثمانينات الهجرية .
في منتصف عام 1395 هـ حسبما رُوي لي استلم الخفس أحد الأشخاص وقام بزراعته زراعة حديثة لعدة سنوات ، تلاشت هذه المزارع بعد وفاته على ما يبدو ، و نقص المياه الجوفية .
وهذا المبنى للحمام البلدي الذي بناه من استلم المشروع :
لهواة صيد الخضاري يوجد عدد كبير من التلاع والشقوق ،المشابهة لما يأتي ، ومن صادف هطول المطر فسيجد المتعة الكبيرة في رؤية الشلالات الجميلة مثلما صادفته قبل عدة سنوات ..
هذه صورة الساقية التي حُفرت لنقل مياه الشعيب للعين