تساؤل يثار كثيرا حول الموقف من البكاء أمام الناس وفي حضرتهم فكثير من الناس يمتنعون عن ذلك البكاء ولا يبدونه مهما كانت الأحوال مخافة الاتهام بالرياء أو مخافة مداخلة النفس العجب وعلى جانب آخر يرى البعض أن البكاء في المجالس وفى المواعظ شيء طبيعي لأصحاب القلوب الرقيقة لا يمكن إنكاره أو اتهام صاحبه بسوء نية فما هو الموقف الصائب إذن ؟.
الناظر إلى أحوال السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تابعهم ونهج نهجهم من علماء الأمة ليرى بوضوح أن البكاء كان سمة مميزة لهم بل أكثر من ذلك وإن بعضهم كان ربما يظل طوال درس العلم الذي يلقيه يظل يبكي حتى ينتهي فيروي الإمام الذهبي عن أبي هارون قال: كان عون يحدثنا ولحيته ترتش بالدموع ولكن هناك أيضا من الآثار ما حض على إخفاء ذلك البكاء وجعله في الخلوة ومنفردا فقط .
فعن محمد بن زيد قال: "رأيت أبا أمامة أتى على رجل في المسجد وهو ساجد يبكي في سجوده فقال له : أنت أنت لو كان هذا في بيتك"وقال سفيان بن عيينة : "اكتم حسناتك كما تكتم سيئاتك" بل نقل الذهبي عن عمران بن خالد قال سمعت محمد بن واسع يقول : إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم به إلى غير ذلك من الآثار.
وخلاصة القول في ذلك أن يعلم الإنسان نفسه البكاء من خشية الله وعند سماع الموعظة والذكر والتذكرة وعند محاسبته لنفسه أو غير ذلك والأصل في البكاء أن يكون في الوحدة ومنفردا وفي الخلوات ولكن إذا كان المرء بين الناس وغلبه البكاء فلا شيء في ذلك أبدا إذا اطمأن من نفسه الصدق والإخلاص بل إن ذلك كان حال الصالحين .
دمتم أخوتي برعاية رب العزة والجلال