الموضوع يحتاج الى قراءة كامله ولأهميته وضعت جزء منه : من موقع صيد الفوائد
تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية
د. محمد الشويعر
[سبب التأليف]
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على الصادق الأمين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الدين أما بعد :
(.......... ففي عام 1407 هـ، كنت في مهمة لموريتانيا ، ثم عرجّنا على السنغال ، وكان خط سير الطيران ملزماً لنا بالبقاء في المملكة المغربية ستة أيام .
وفي أحد الأيام كنت في ضيافة أحد الأساتذة بإحدى الجامعات هناك ، وأرمز له : بالدكتور عبد الله . وفي جلسة بمكتبته دارت أحاديث شتى ، ومن محبته للملكة وحضور مؤتمرات عديدة بها ، طرح عليّ هذا السؤال أمام الحاضرين ،وعددهم يقارب الاثني عشر شيخاً من فضلاء البلاد هناك .
قال إننا نحب المملكة ، ونفوس المسلمين وقلوبهم تهفوا إليها ، وبيننا وبينكم تقارب كبير وتفاهم بين القيادات ، وإعجاب بما يؤديه حكام وعلماء المملكة من جهود مخلصة للإسلام والمسلمين ، ولكن حبذا لو تركتم المذهب الوهابي الذي فرق بين المسلمين ؟! .
فأجبته : قد يكون علق بالذهن معلومات خاطئة ، مأخوذة من غير مصدرها السليم ، ولكن حتى تلتقي المفاهيم ، نحب أن نطرح الموضوع بحضور الإخوة للنقاش العلمي المقرون بالبراهين .. ثم قلت :-
ولما كان كل إنسان ترتاح نفسه ، ويطمئن قلبه ، لما ألفه علماء بلده ، فإنني في هذا الحوار لن أخرج عما في محتويات هذه المكتبة ، التي تضمنا جدرانها الأربعة ؛ لأنك كما تراني الآن لا أحمل كتاباً ، ولم يخطر ببالي مثل هذا النقاش .
ولذا وقبل أن نبدأ : أرجو أن يكون نقاشنا بعيداً عن التعصب والانفعال ، أو طرح الآراء بدون دليل مقنع يعول عليه ، لأن نشدان الحقيقة هو هدفنا ، والامتثال لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم هو غايتنا ، ونصر الدين هو المؤمل من كل منّا .
قال : أوافقك على هذا ، وأصحاب الفضيلة المشايخ هم الحكم بيننا .
قلت : رضيت بذلك ، وبعد التوكل على الله أرجو أن تطرح أي مدخل للحوار .
قال : خذ مثلاً ما ذكره الونشريسي في كتابه ] المعيار [ الجزء 11 ، وهو قوله : سئل اللخمي : عن أهل بلد بنى عندهم الوهابيون مسجداً ، ما حكم الصلاة فيه ؟.
وللمعلومية : فإن كتاب ]المعيار[ هذا هو كتاب يجمع الفتاوى في الفقه المالكي ، جمعه أحمد بن محمد الونشريسي ، وطبع في 13 مجلداً ، وقد طبعته الحكومة المغربية وتوزع منه نسخ عن طريق الإهداء .
بعد طرح السؤال ، و إحضار الكتاب المذكور الجزء 11 ، أجبته : بان الفتوى على هذا السؤال صحيحة ، ونوافق اللخمي على ما جاء في فتواه .
قال إذا اتفقنا على أن هذه الفرقة ، وخطأ ما تسير عليه ، خاصة وأن المفتي قال : هذه فرقة ، خارجية ضالة كافرة ، قطع الله دابرها من الأرض ، يجب هدم المسجد ، وإبعادهم عن ديار المسلمين .
قلت : لم نتفق بعد ولا زلنا في بداية الحوار .. ولعلمك : فإن هذه الفتوى لها نظائر كثيرة قبل اللخمي وبعده ، موجودة لدى علماء الأندلس ، وفقهاء شمال أفريقيا ، وهي مستمدة من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخوارج ، الذين قاتلهم علي بن أبي طالب في النهروان .
وفي نقاشنا هذا ، سوف نصل بإذن الله إلى تصحيح المفهوم التاريخي بين ما تعنيه هذه الفرقة ، التي أفتى علماء الإسلام في الأندلس وشمال إفريقيا بشأنها ، وبين التسمية التي ألصقت وصفاً مستهجناً بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله التصحيحية . هذا التصحيح لن يكون مقنعاً إلا بقرائن وبراهين مرضيّة عندكم ، لأن رائدنا جميعاً الوصول إلى الحقيقة لذات الحقيقة .. والرأي الهادئ المقنع هو الذي تنجلي به الغشاوة وتصحح به المفاهيم .
قال: كلنا نريد الوصول لهذه الحقيقة .. ثم قال : وبعد هذه الفتوى نريد أن تعطينا ما عندك ، ونحن نستمع والإخوة يحكمون بيننا ، ويصوبّون أو يخطئون ما يقال أو يعرض أمامهم .
قلت : : سترون – إن شاء الله - ، ما ينير الطريق لمن يريد الوصول للرأي الصائب ، واستجلاء الأمر ، و لهذا : نبدأ بما لدينا من أجزاء المعيار ..
ولعلك تقرأ طرة الكتاب ليسمع الإخوة ؟ .
قال : تريد الفتوى حتى أقرأها أمامهم ، أم أبدأ بما على الغلاف الخارجي من معلومات ؟؟.
قلت : بل الغلاف الخارجي .. أو الداخلي .. فهما سواء ..
فقرأ : ] المعيار المعرب في فتاوى أهل المغرب [ ، تأليف : أحمد بن محمد الونشريسي المتوفى عام 914 هـ ، بفاس بالمغرب .
قلت لأكبر المشايخ سناً ، وهو شيخ وقور ، هادئ الطبع ، اسمه أحمد : يا شيخ أحمد سجل تاريخ وفاة الونشريسي .. فرصد ذلك عام 914 هـ .
ثم قلت : هل من الممكن إحضار ترجمة اللّخميّ ؟ .
قال : نعم .. ثم قام إلى رفّ من رفوف المكتبة فأحضر جزءاً من أحد كتب التراجم ، وفيه ترجمة : علي بن محمد اللخمي ، مفتي الأندلس وشمال إفريقيا ، والترجمة طويلة ، وفيها ثناء عليه وعلى علمه .. فقلت : إن بيت القصيد في نهاية الترجمة ، فمتى توفي ؟
قال القارئ : وتوفي عام 478 هـ .
فقلت للشيخ أحمد : اكتب تاريخ وفاة الشيخ علي اللّخمي ، فكتبه في عام 478 هـ .
فقال الدكتور عبد الله : هل تشك في علمائنا وفي فتاواهم ؟ .
قلت وما دليلك على هذا الشك ؟ . ثم التفتّ إلى المشايخ .. وقلت : هل بدر مني ما يدعو إلى الشيك الذي أوجب هذا القول ؟. فكان الجواب بالإجماع : النفي .
قلت : ولكي أنفي الشك عني ، وعن علمائنا في بلادي ، فإننا نحترمهم ونجلّهم ، ونصوّب كل فتوى تصدر عنهم ، يدعمها الدليل من الكتاب الكريم ، والصحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولكن الوصول إلى ما بدأنا الحديث من اجله ، مقروناً بما يدعمه ، يحتاج إلى شيء من الأناة والصبر .
ومن باب استعجال الجواب : أطرح على الجميع هذا السؤال : هل يمكن أن يفتي العلماء على معتقد لم يوجد صاحبه الذي ينسب إليه بعد ، أو الحكم على ملّة من الملل لم تظهر بعد ؟؟!! .
قالوا جميعاً : لا .. ولم يعرف هذا ، إلا ما جاء عنه إخبار من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذا من معجزات النبوة ، وفي الغالب يأتي الوصف دون المسمى .
قلت موجهاً الكلام لمحدّثي : ألست تعتقد ويعتقد غيرك : أن الوهابية أول من أنشأها محمد بن عبد الوهاب في نجد ؟ قال بلى .
قلت : إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، عندما أفتى اللّخمي وغيره من علماء المالكية في الأندلس . وفي الشمال الإفريقي ، كان أكثر من اثنين وعشرين من أجداده لم يولدوا بعد ، باعتبار أن المتوسط لكل قرن ثلاثة جدود ، كما أن بين وفاة عبد الوهاب بن رستم ووفاة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما يقرب من واحد وثلاثين جداًّ ، وعلماؤكم وعلماء المسلمين لا يعلمون الغيب ، وننزههم عن الكهانة والسحر ، وعن القول في أمر لا يعلمونه ، قال تعالى ) قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيَّان يبعثون ( .
قال : أوضح أكثر ..!!
قلت : إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولد عام 1115هـ ، ومات سنة 1206 هـ ، وبينه وبين أحمد الونشريسي الذي ألف كتاب ( المعيار ) ، ونقل الفتوى عن اللّخمي – كما مر بنا – مئتان واثنتان وتسعون سنة ( 292 ) وفق تاريخ الوفاة ، كما أن بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبين اللّخمي ، وهو صاحب الفتوى سبعمائة وثمانية وعشرون عاماً (728 ) وفق تاريخ الوفاة ، وفق ما سجّل الشيخ أحمد لوفاة كل منهما .
ويقاس على هذا كل من أفتى من علماء الأندلس وشمال إفريقيا عن تلك الوهابية .
قال : هل يمكن أن توضح أكثر لما تعني .. بدليل مقنع ؟
قلت : لم يهتم علماء شمال إفريقيا والأندلس ، بالفتاوى عن الوهابية والتحذير منها ، إلا لأنها موجودة عندهم بخلاف ديار المسلمين الأخرى ، التي وضّح فرقها الشهرستاني في كتابه ( الملل والنحل ) .
وابن حزم في كتابه ( الفصل في الملل والأهواء والنحل ) .
وفي موضوعنا : ألا يوجد عندك كتاب : ( الفرق الإسلامية في شمال إفريقيا ) ، الذي ألفّه الفرنسي : ألفرد بل ، وترجمه للغة العربية : عبد الرحمن بدوي ؟ .. وهو جزء واحد .
قال : هاهو موجود .. ثم قام وأحضره .
قلت فلنقرأ في آخره ، حرف الواو .. فقرأ أحدهم : الوهبية أو الوهابية : فرقة خارجية أباضية أنشأها عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن رستم ، الخارجي الأباضيّ ، وسميت باسمه وهابية ، الذي عطّل الشرائع الإسلامية ، وألغى الحج ، وحصل بينه وبين معارضيه حروب .. إلى أن قال : المتوفى عام 197 هـ ، بمدينة تاهرت بالشمال الأفريقي ، وأخبر بأن فرقته أخذت هذا الاسم ؛ لما أحدثه في المذهب من تغيرات ومعتقدات ، وكانوا يكرهون الشيعة قدر كراهيتهم لأهل السنة .وكان ألفرد هذا قد تحدث في كتابه المنوه عنه عن الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي من الفتح العربي حتى وقت المؤلف في العصر الحاضر تقريباً .
وعبد الوهاب بن رستم قد اختلف في تاريخ وفاته ، عند من كتب عنه ، ويرى الزر كلي في ( الأعلام ):أن وفاته نحو 190 هـ .
عند ذلك قلت له وللحاضرين : هذه هي الوهابية التي فرقت بين المسلمين ، وصدرت بشأنها فتاوى من علماء وفقهاء الأندلس وشمال أفريقيا ، كما تجدون في كتب العقائد عندكم ، وهم محقون فيما قالوا عنها .
أما دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي ناصرها الإمام محمد بن سعود – رحمهما الله – السلفية التصحيحية ، فهي ضد الخوارج وأعمالهم ؛ لأنها قامت على كتاب الله وما صح من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ونبذ ما يخالفهما وهم من أهل السنة والجماعة .
والشبهة التي انتشرت في بلاد الإسلام قد روجها أعداء الإسلام والمسلمين من مستعمرين وغيرهم لكي تبث الفرقة في صفوفهم ، فقد كان المستعمرون يسيطرون على غالب العالم الإسلامي في ذلك الوقت ، وهو وقت عنفوانهم ، ويعلمون من واقع حروبهم الصليبية ، أن عدوهم الأول في تحقيق مآربهم : الإسلام الخالي من الشوائب ، وتمثله السلفية ، ووجدوا ثوباً جاهزاً ألبسوه هذه الدعوة تنفيراً ، وتفريقاً بين المسلمين – لأن مبدأهم فرق تسد – حيث أن صلاح الدين الأيوبي رحمه الله لم يخرجهم من ديار الشام إلى غير رجعة ، إلا بعد أن قضى على دولة الفاطميين العبيديين الباطنيين من مصر ، ثم استقدم علماء من أهل الشام ووزعهم في الديار المصرية فتحولت مصر من التشيّع الباطني إلى منهج أهل السنة والجماعة ، الواضح دليلاً وعملاً واعتقاداً .
فالمستعمرون خافوا من إعادة الكرّة ، بعدما رأوا دولة التوحيد السنّية ، التي قادها الإمامان : محمد بن عبد الوهاب ، ومحمد بن سعود ، ثم من جاء بعدهما ، تتسع أعمالهما ، ، ويكثر المستجيبون لما تهدف إليه هذه الدعوة ، ومعلوم لديكم أن المستعمر ما دخل بلدة إسلامية إلا حاول إقصاء أهل السنة ، وتقريب أهل الأهواء والبدع ؛ لأنهم مطيته فيما يريد عمله في ديار الإسلام .
كنت أعتقد أن هذا الجواب فيه إقناع .. لكن طرح أحدهم سؤلاً قال فيه : ألا يكون محمد بن عبد الوهاب قد أخذ منهج السابقين وأحياه من جديد واتبع طريقتهم ؟!
قلت : أولاً : لبعد الاتصالات بين المكانين فإن المعلومات لا تصل ولم يكن لدعوة عبد الرحمن بن رستم ذكر في تاريخ الجزيرة العربية ، بل كما مر بنا ، لم يكن لها تصنيف عند الدارسين والراصدين للملل والنحل والأهواء ؛ كالشهرستاني وابن حزم ، ولا في ردود ابن تيمية ، وابن رستم مات قبل هؤلاء بزمن . مما يدل على أن دعوة عبد الوهاب بن رستم ( الوهّابيّة ) لم تتعدّ الشمال الإفريقي والأندلس قبل ضياعها .
ثانيا : أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب تختلف عن دعوة جميع الفرق المخالفة لكتاب الله ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، لأنها دعوة تجديدية على منهج السلف الصالح ، ولم يأت بشيء يخالف ذلك .
ثالثاً : تسمية الدعوة التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب بـ ( وهّابيّة ) نسبة إليه خطأ لغوي ، لأن والده لم يقم بها ، و إلا لأشترك في هذه النسبة الوالد وأولاده ، ومحمد واحد منهم لتصبح نسبة مشتركة .
الموضوع كاملاُ في تحت هذا الرابط
http://saaid.net/monawein/sh/18.htm
اخوكم القباني