الاستشارات ضايعة!
د.محمد بن سلطان القباني
على الرغم من أهمية مهنة الاستشارات في التنمية الاقتصادية التي تشهدها المملكة، إلا أن هذه المهنة لم تلق حقها من الاهتمام حتى الآن, سواء من الناحية الاقتصادية أو من الناحية التشريعية, فملف تطوير ''الخدمات الاستشارية'' والاستفادة منه على المستوى الوطني, ليس على أجندة الأجهزة الحكومية. والواقع أن هذا القطاع يُعد من القطاعات التي لم تلق اهتماما يناسب أهميته الاقتصادية، فهو أحد القطاعات المنسية التي لا توجد لها مرجعية موحدة من ناحية التبعية والإشراف التنظيمي. ومن ذلك وجود أكثر من جهة حكومية لديها الحق في إصدار التراخيص, خصوصاً الاستشارات الإدارية والاقتصادية (وزارة التجارة، هيئة الاستثمار، وهيئة السوق المالية). وهذا هو أحد أسباب بقاء هذا القطاع خارج التنظيم, أو على الأقل خارج دائرة الاهتمام.
حتى نتعرف على أهمية هذا القطاع وضخامته، فقد كشفت الإحصائيات حتى مطلع 2007 عن وجود 205 مكاتب للاستشارات الاقتصادية, و270 للاستشارات المالية, و770 للاستشارات الإدارية (جريدة الشرق الأوسط). كما مساهمة القطاع الاستشاري بجميع أنواعه في الناتج المحلي تمثل 7.7 عام 2008 (غرفة الرياض). وعلى الرغم من أنه لا توجد معلومات دقيقة حول حجم سوق الاستشارات في المملكة، إلا أن تقديرات معهد الملك عبد الله للبحوث والدراسات الاستشارية تفيد بأن حجم سوق البحوث والدراسات والخدمات العلمية بلغ حتى آب (أغسطس) من عام 2008 نحو ملياري ريال، في حين لم يتجاوز نصيب مراكز الاستشارات الجامعية والمراكز الوطنية 15 في المائة من حجم السوق، حيث إن الجزء الأعظم من هذه الاستشارات يذهب إلى المراكز الاستشارية الدولية، هذا على الرغم من وجود عدد كبير من المراكز الاستشارية السعودية المتميزة.
إن التساهل في منح التراخيص للشركات الدولية باعتبارها شركات استثمار أجنبي دون إدراك ممارسات تلك الشركات، ودون مساهمة فعلية لتلك الشركات في تطوير الكفاءات الوطنية، وعدم وجود جهة تشريعية موحدة تشرف على مهنة الاستشارات, قد أسهم بشكل كبير في قلة استفادة الاقتصاد الوطني من هذه المهنة. كما أن المتخصصين يرون أن هناك بُعدا آخر يجب ألا يهمل عند النظر في واقع هذه المهنة أو التخطيط لمستقبلها, ألا وهو البعد الديموغرافي لمزاولي مهنة الاستشارات, فالسيطرة الواضحة للعنصر غير السعودي وغياب أو تغييب العنصر الوطني في هذه المهنة, مسألة تحتاج إلى تأمل. فالإحصاءات توضح تدني نسبة ''السعودة'' في شركات الاستشارات، فنسبة السعودة ضئيلة جداً بحيث تراوح بين 31 في المائة في الاستشارات الاقتصادية وأقل من 20 في المائة في الاستشارات الإدارية والمالية.
إن طبيعة الأعمال في الاستشارات الإدارية والاقتصادية وكثرة الشباب السعودي المؤهل في هذا المجال, تتطلبان ضرورة رفع نسبة ''السعودة'' في هذا المجال نظراً لما يجنيه العاملون في هذه المهنة من مزايا عملية ومادية. كما أنه من الضروري تفعيل مشاركة الكفاءات الوطنية في العقود الاستشارية للجهات الحكومية، فالواضح أن هناك تساهلا واضحا في تطبيق تلك الشروط ومتابعتها. بل إن الأمر تعدى إلى التجاهل، حيث يتم التعاقد مع شركات لا يوجد فيها عنصر وطني على الإطلاق، كما أنه يتم التعاقد في بعض الأحيان مع شركات أجنبية لا يوجد لها وجود فعلي في المملكة, حيث يتم تنفيذ جميع الاستشارات من خلال العمل عن بُعد بواسطة الإنترنت.