مما لا شك فيه أن الصيام من العبادات الجليلة التي يتقرب بها العبد إلى ربه عز وجل وقد اختصه الله تعالى لنفسه كما في الحديث القدسي: (إلا الصوم فإنهُ لي وأنا أجزي بهُ).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من صام يوماً في سبيل الله بعَّد الله وجههُ عن النار سبعين خريفاً) (البخاري برقم2840، ومسلم برقم 1153).
وإذا اجتمع للمسلم فضل الزمان والمكان والعبادة كان ذلك من الفُرص العظيمة التي لا ينبغي تفويتها وقد اختلف العلماء في صوم يوم عرفة للحاج:
1. فذهب بعضهم إلى جوازه بل كان بعضهم يميل إلى ذلك كما هو مذهب إسحاق بن راهويه (فتح الباري 4-2802) وبعضهم كان يعجبه صومه كما هو مذهب الحسن ويُحكى عن عثمان وهو اختيار الشافعي في القديم والخطابي (المصدر السابق).
وقال الإمام أحمد: إن قدر على الصوم صام وإن أفطر فذاك يوم يحتاج فيه إلى قوة واستحب صيامه أبو حنيفة إلا أن يُضْعفه عن الدعاء.
وسُئِل ابن عمر عن صيامه فقال: لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه (أخرجه ابن حبان في صحيحه برقم 3604 وقال محققه صحيح على شرط مسلم).
2. وذهب عامة أهل العلم إلى كراهية صومه للحاج كما حكاه عنهم ابن عبد البر في التمهيد ومستندهم حديث أم الفضل أنها أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فيه لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشرب منه. (متفق عليه) وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم (زاد المعاد 2-63).
وقال العلامة ابن باز رحمه الله تعالى: والسنة للحجاج الإفطار لأنه أقوى للدعاء وأنشط على أعمال الحج وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صوم يوم عرفة في عرفة.أ.هـ.
وعليه فالسنة للحاج أن يُفطر في ذلك اليوم اقتداءً بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم أما من صامه لقوةٍ فيه فلا ينبغي تبديعه أو الإنكار عليه لاسيما وأنه ثبت صيامه عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والعلم عند الله تعالى.
وأما لغير الحاج فيُسنُّ صومه ويتأكد هذا لما فيه من الفضل العظيم كما في حديث أبي قتادة رضي الله عنه وفيه: (صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده...) (أخرجه مسلم برقم 1162).