كلنا يعرفُ تلك القصة التي لطالما رُويت عن غرور الأرنبِ
بسرعته الفائقة حين قررت السلحفاة ـ البائسة البطيئة ـ التسابق معه !
نعم ! مع السيد " أرنوبي " ذي الوزن الخفيف والقدمان التي تجري في مهب الريح! .
وحيث أنني اليوم لست بصدد إعادة القصة التي تعرفونها , فسأحمل في ثنايا حديثي
رؤية مختلفة لذات القصة فدعونا نعرّج عليها سريعاً.
يُروى أن سبب هزيمة الأرنب المغرور ليس غروره بذاته ونومه واستخففافه بقدرة السلحفاة
الضعيفة على هزيمته
و لكن السبب الحقيقي أن السيد أرنوبي كان منشغلاً بالحديث عن عيوب السيدة سلحفاة
عند بدء السباق : فمن قصر قامتها التي تكاد تلامس الأرض , إلى بطئ حركتها
إلى بيتها الذي يزيدها ثقلا , منتهيا بضآلة فرصة الفوز لكائن بسيط مثلها .
كل هذه العيوب وغيرها هي ما استمتع وانتشى به السيد أرنوبي عند بدء السباق
فأخذ يُحدّث الجماهير يمنة ويسرة ضاحكا و ساخراً من "حماقة" السيدة سلحفاة
وهازئا بمحاولتها الفوز بالرغم من امكانياتها المتواضعة جدا مقارنة بأمجاده الأول
وٍسِجلّ النجاح الباهر الذي حققه فيما مضى !!.
وهنا أتساءل : من عساه ياتُرى السيد أرنوبي؟
وهل يقيم بيننا ؟ وهل نحن من جمهوره ؟ أسئلة تكشفها لنا الومضات التالية :
ـ وقفة مع ذلك الكاتب أو المؤلف أو الإعلامي "الليبرالي" الذي تفرّغ لذم أمته وأمجادها
وأسلافها والقدح في تاريخها , منشغلا بكل هذا عن مدى إسهامه في صناعة هذا التاريخ
عوضاً عن تشويه صورته !
ـ وقفة مع ذلك الخطاب الذي انهمك في التحذير من التغريبيين والعلمانيين
منشغلاً عن عيوبه ومدى مواءمة خطابه للظرف والمكان
ومدى إسهامه الحقيقي في بناء الإنسان الفاعل لا المتلقي المستهلك ! .
ـ وقفة مع ذلك المعلّم حين انهمك في الحديث عن عيوب الغرب وكيف أنهم انحطّوا في أخلاقهم
وقيمهم , متناسياً الدرس الذي حضر الطلاب من أجله
وحين اتكأ هو وطلابه على رؤيتهم المحدودة للغرب , خلدوا إلى النوم
منشغلين عن سباق الانجازات العلمي الذي تفوق فيه الغرب !.
ـ وقفة مع ذلك الأب الذي انهمك يحدث أبناءه و أصدقاءه عن عيوب جاره
وكيف أن هذا الجار البائس لا يُحسن تربية أبنائه
منشغلاَ بكل هذا عن حقوق هذا الجار وحسن جواره ! .
ـ وقفة مع ذلك الموظف الذي مافتئ يتحدث عن عيوب المُنشأة التي يعمل بها
وكيف أن إدارتها رديئة إلى غير ذلك من أشكال التذمر والشكوى
منشغلا بكل هذا عن أداء عمله على الوجه الأمثل الذي هو في هذا المكان من أجله !.
ـ وقفة أخرى مع الجمهور الذي انشغلوا بذم إسهامات غيرهم من المبدعين بكل سلبية
منشغلاً بهذا عن المشاركة والمنافسة في أيِ من مجالات الإبداع !.
ـ وقفة مع ذلك الطالب الذي انهمك في الحديث عن البطالة وعيوب المعلم والمنهج
منشغلاً بكل هذا عن الجد والاجتهاد
واختيار مايوافق طموحه لبناء مستقبل يتوق إليه فلا يقع في فخ البطالة هو الآخر !.
ـ وقفة مع هذه السلبية والتهافتية على كل ما هو كلام وسراب منشغلين به عن العمل والإنتاج والأمل .
ـ وقفة مع كل هذه المشاهد التي كان فيها الجميع كالسيد أرنوبي
وكانت السيدة سلحفاة هم أولئك الآخرين ممن غَرِموا قبيح النعت وغنموا مقعداَ في الريادة .
إن الحقيقة التي يجهلها كل أرنوبي أن الآخرين من أمثال السيدة سلحفاة قد حفظوا أوقاتهم
لما هو مثمر حين آمنوا بقدرتهم على الإنتاج
فأبدعوا وتقدموا وتميزوا مما أكسبهم شرف الريادة واحترام الآخرين .
بينما حصد السيد أرنوبي على الضفة الأخرى تراجعاً مدوياً عن الريادة والإنجاز
وكما قيل " لا تنظر الى الآخر من بعيد فستراه صغيرا ويراك صغيراً "!
فهد أحمد أحمد عطيف