اعترف أولاً سيدي القارئ: بماذا أوحى لك العنوان؟، هل توقعت أن وزارة الصحة بعد أن انتهت من كل مشاكلها، تفرغت أخيراً لتدليل منسوبيها ومنسوباتها؛ فاستحدثت قسماً لتزويج من يحتاج منهم أو يريد، بنظام "المسيار"؟
أم إنك توقعت أن الوزارة ـ كماعوَّدتنا ـ قامت بدراسةٍ بحثية علمية، مستفيضة، توصل الباحثون فيها إلى أن صحة من يتزوجون "مسياراً"، تفوق صحة من يتزوجون "مؤبداً" مئة مرة؟، وخرجوا بتوصيةٍ جادة، بإدراج"المسيار"ضمن الطب البديل، بخلطاته العجيبة؟
أم توقعت أن "مأذوناً" شرعياً ذكياً، وقف بجوار بائع "المساويك"، أمام بوابة مجمع مدينة الملك فهد الطبية بالرياض، وراح يوزع كرته منادياً: مسيار، مسيار، أرامل، مطلقات، ثيبات، أبكار، آخر عرض: تزوج "أم الدواهي"، واحصل على جارتها "البلاهي" مجاناً!؟
وربما لم ترد على ذهنك،كل هذه التوقعات غير البريئة، وخـمَّنت أن العنوان لايعدو لعبة لغوية يدعو فيها الأخ/أنا،إلى العناية بمضمار المشي، المحيط بالمجمع بوصفه مسياراً: من سار يسير سيراً، ويحاول تعبئة زاويته، باجترار فوائد المشي المعروفة!
لكن الواقع هو أن وزارة الصحة، قد استحدثت فعلاً نظاماً طبياً حديثاً، لم تتوصل إليه ألمانيا ومن جَرْمَنـَها، ولا أمريكا ومن أَمْرَكَها، ولا الصين ومن تشانغ تشونع تشنغنها! يحل مشكلة تكدس المرضى، وبُعد المواعيد، وقلة الكوادر والمعدات الطبية، ويمكن تسميته بـ"الاستشفاء بطريقة المسيار"، أو"الطب من منازلهم"!
وإلى أن تحصل الوزارة على"براءة الاختراع" والكلام لمحمد السحيمي فلابد أن يقوم الإعلام بتوعية المواطنين بآليات هذا النظام؛ فإذا ارتفعت حرارة ابنك إلى مافوق 39درجة مئوية في الظل، وأسرعتَ به إلى طوارئ ـ أي هواجيس ـ مجمع مدينة الملك فهد الطبية، ستجد السيكورتـي "الشغردي" بانتظارك: لا تتعب نفسك لن يأتي دورك ـ وأنت في الطوارئ ـ قبل أربع إلى ثلاث ساعات! والعمل؟ جرِّب أن تذهب به إلى مستشفى خاص،فهناك نظام صدر من وزارة الصحة، يقضي بأنه من حق المواطن أن يتلقى العلاج اللازم في مستشفى خاص، على حساب الوزارة، إذا تعذر علاجه في المستشفيات الحكومية! ويستقبلك المستشفى الخاص ويخبرك من الباب:أن ابنك في حالة خطرة، ولابد من تنويمه، ويكلفك ذلك ـ مبدئياًـ حوالي سبعة آلاف ريال! والنظام إياه؟ كلنا سمعنا به لكننا لا نعرف أحداً طبَّقه، لا مالحاً، ولا حالياً، ولا معصوباً!
فتعود مرةً أخرى إلى هواجيسنا، وهناك تتكرم عليك ممرضةٌ ـ ربما كانت المناوبة الوحيدة ـ فتقيس حرارة ابنك، ثم تبدأ تطبيق نظام المسيار الجديد: نحجزه في الطوارئ في سريرٍـ وليس غرفةً ـ مشترك، في حيِّزٍ تستحدثه أنت في الممر، لمدة ثلاث ساعات، تأتي أنت خلالها ببطانية ووسادة وكمادات، لكنه على مسؤولية المستشفى! ثم تأخذه ـ على مسؤوليتك أو على السيارة ـ إلى المنزل وكلما ارتفعت حرارته تأتي به، وهكذا حتى يشفى، و"ربعٍ تعاونوا ما ذلَّوا"!
العيب الوحيد، في هذا النظام الفريد هو:أن عبقرية الوزارة لم تتفتق عنه قبل مأساة طفلي "نجران"، وإلا لعرفت كل أسرةٍ ابنها، منذ البداية، وأخلت الوزارة مسؤوليتها، بدل أن يتسابق المحامون لرفع قضية ضدها!
العرض العادي
