لا يخفى على أحد انخفاض مستوى المهنية لدى الكثير من الشباب السعوديين من الذين يطلبون فرصاً وظيفية في القطاع الخاص. ومع وجود السعودة فإن هذه المؤسسات تجد نفسها ملزمة بتوظيف أشخاص لا ترقى كفاءتهم للمستوى المطلوب، ويحتاجون إلى فترات تدريب عالية تكلف المؤسسات الكثير، ناهيك عن انعدام ضمانات استمرار الموظف في المؤسسة بعد تدريبه ورفع مستواه المهني.
المهنية والاحترافية تكتسب من خلال سوق العمل، ولكنها تبنى في مراحل التعليم الأولى. فالتعليم يجب أن يشحذ مهارات الطلاب ويدربهم على كيفية التعرف إلى هذه المهارات والاستمرار في تطويرها. ولكن ماذا تستفيد سوق العمل والمؤسسات الخاصة من طلاب يحفظون مقررات دراسية قد لا تفيدهم كثيراً حين يحتاجون إلى مهارات مهنية؟
يظهر لي أن وزارة التربية والتعليم ستوفق كثيراً لو أقرت مبدأ الحد الأدنى من المهارات دون النظر للمقررات المفروضة. بمعنى أن تشترط الوزارة حداً أدنى من المهارات في كل مستوى دراسي، وحين ينهي الطالب أو الطالبة مستوى معينا يكون قد حصل على المهارات المحددة في الخطة الدراسية. بذلك تتيح الوزارة للمدارس الخاصة أن تتنافس في تقديم برامج دراسية لتنفيذ خطة الوزارة، دون أن تكون ملزمة بمقررات معينة أو كتب محددة. ويمكن للمدارس أن تزيد على مهارات الحد الأدنى، ولكن لا تنقص منها. وللوزارة أن تجري اختبارات قياسية على مستوى البلاد لقياس أداء المدارس ولها أن تصدر قائمة بأفضل المدارس الحكومية والخاصة التي يحقق الطلاب والطالبات فيها أعلى المستويات. لا شك أن ذلك سيمكن أولياء الأمور من معرفة المدارس الجادة صاحبة البرامج الدراسية الطموحة التي تساير أو تتفوق على مهارات الحد الأدنى الرسمية. كما أن ذلك سيمكن الإدارات التعليمية في جميع المناطق من المنافسة والاستفادة من تجارب بعضها، ما يؤدي للرقي بالتعليم وتبادل التجارب النافعة في هذا المجال، كما سيمكن المسؤولين في الوزارة من تتبع نقاط الضعف في المدارس العامة والخاصة، والتركيز في الخطط المستقبلية على مواطن الخلل والضعف لدى الطلاب والطالبات.
لحسن الحظ، فإن الطلاب والطالبات لدينا يتفوقون في المناهج العلمية وخاصة الرياضيات، ويتبين ذلك حين يسافر الطالب أو الطالبة لإكمال الدراسات العليا خارج البلاد، فيجدون أن تأهيلهم كان جيداً مقارنة بطلاب الولايات المتحدة مثلاً، ولكن هذا التميز لا يستمر كثيراً حين يترك الطلاب مقاعد الدراسة، فتجد الموظف الأمريكي يطور مهاراته بشكل مستمر، ويمارس أعماله بمهنية وحرفية عالية، ولكن الموظف السعودي الشاب يقف عند هذه المهارات ولا يتطور بشكل يذكر. في حين لو كان أعطي وسائل تطوير الذات والتفكير النقدي لساعده ذلك على استخدام قدراته العقلية في البحث عن المعلومة وطرق الاستفادة منها.
تعطي المدارس لدينا الطلاب المعلومة في كبسولة على شكل كتاب، ولكن تعطي المدارس الأمريكية طلابها طرق الحصول على المعلومات، وطرق الاستفادة منها من خلال تبني أسلوب حل المشكلات. وفرق كبير بين الطريقتين، فالأولى تخلق حفاظاً يبحثون عن حل المشكلة في المقررات، والثانية تعود الطالب على البحث والتجديد والابتكار، فيخرج بحلول غير تقليدية.
الفرق بيننا وبينهم أننا نعطي طلابنا حل المشكلة، وهم يعطون طلابهم المشكلة مع تدريبهم على آليات حلها، دون أن يلقنوهم الحل جاهزاً فيقتلون لديهم روح الطموح والرغبة في الاكتشاف والاختراع.