نفحات رمضانية الصيام جنة
الصوم أجل العبادات ,وأشرف القربات وطاعة مباركة لها آثارها العظيمة العاجلة والآجلة , من تزكية النفوس وإصلاح القلوب وحفظ الجوارح والحواس من الفتن والشرور وتهذيب الأخلاق وفيها من الإعانة على تحصل الأجور العظيمة وتكفير السيئات المهلكة والفوز بأعلى الدرجات .
وناهيك بعمل اختصه الله من بين سائر الأعمال فقال : كما في الحديث القدسي الصحيح : » كل عمل ابن ادم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به « فكفى بذلك تنبيهاً على شرفه وعظم موقعه عند الله مما يؤذن بعظم الأجر عليه .
فإضافة الله تعالى الجزاء على الصيام إلى نفسه الكريمة تنبيه على أجر الصيام وأن يضاعف عليه الثواب أعظم من سائر الأعمال .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : » قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل عمل ابن ادم يضاعف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله عز وجل : إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به « فما ظنك بثواب عمل يجزي عليه الكريم الجواد بلا حساب ! { قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} .
والإخلاص في الصيام أكثر من غيره , فإنه سر بين العبد وبين ربه لا يطلع عليه غيره , إذ بإمكان الصائم أن يأكل متخفياً عن الناس , فإذا حفظ صيامه عن المفطرات ومنقصات الأجر دل ذلك على كمال إخلاصه لربه , وإحسانه العمل ابتغاء وجهه ولذا يقول سبحانه في الحديث القدسي : » يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي « فنبه سبحانه وتعالى على كمال نية العبد لوجه الله تعالى وهو عمل بينه وبين ربه لا يدخل فيه الرياء ابدا..
الصيام يقي الصائم ما يضره من الشهوات ويجنبه الآثام التي تجعل صاحبها عرضة لعذاب النار وترثه الشقاء في الدنيا والآخرة كما قال صلى الله عليه وسلم » يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج , فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له رجاء « ومعناه : أن الصوم قامع لشهوة النكاح فيقي صاحبه عنت العزوبية ومخاطرها .
وقال صلى الله عليه وسلم » الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم « رواه البخاري .
وفي المسند عن جابر رضي الله عنه > عن النبي صلى الله عليه وسلم قال > : » إنما الصيام جنة يستجن بها العبد من النار «
ومن فضائل الصوم أنه من أسباب استجابة الدعاء ولعل في قوله تعالى : » وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون «مما ينبه على الصلة الوثيقة بين الصيام وإجابة الدعاء .
ومن فضائل الصوم أنه من أسباب تكفير الذنوب , كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه » أن رسول الله كان يقول : الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر « وفي الصحيحين عن أبي قتادة رضي الله عنه قال : » سئل عن صوم يوم عرفة ? فقال : يكفر السنة الماضية والباقية وسئل عن صوم يوم عاشوراء فقال : يكفر السنة الماضية «.
ومن فضائل الصوم أنه يشفع لصاحبه يوم القيامة , لما روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : » الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة , يقول الصيام : أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه , ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه , قال فيشفعان « .
ومن فضائل الصوم فرح الصائم بما يسره في العاجل والآجل كما في الصحيحين » عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه « وهذا من الفرح المحمود لأنه فرح بفضل الله ورحمته ولعل فرحه بفطره لأن الله من عليه بالهداية إلى الصيام والإعانة عليه حتى أكمله وبما أحله من الطيبات التي يكسبها الصيام لذة وحلاوة لا توجد في غيره ويفرح عند لقاء ربه حين يلقى الله راضياً عنه ويجد جزاءه عنده كاملاً موفوراً .
ومما ينبه على فضل الصيام وطيب عاقبته في الآخرة قوله صلى الله عليه وسلم : » والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك « وإنما كانت هذه الريح طيبة عند الله تعالى مع أنها كريهة في الدنيا لأنها ناشئة عن طاعته فهي محبوبة لديه ولعل في الحديث ما يشير إلى أن هذا الخلوف يفوح يوم القيامة من فم صاحبه أطيب من ريح المسك حين يقف بين يدي ربه مثله الشهيد حين يأتي يوم القيامة ففي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمى اللون لون دم والريح ريح مسك « .
ومن فضائل الصيام أن الله اختص أهله باباً من أبواب الجنة لا يدخل منه سواهم , فينادون منه يوم القيامة إكراماً لهم وإظهاراً لشرفهم كما في الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : » إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال : أين الصائمون ? فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد .
وانظر كيف يقابل عطش الصائم في الدنيا باب الريان في يوم يكثر فيه العطش ... جعلنا الله ممن يشرب يوم القيامة شربة لا يظمأ بعدها أبداً بمنه وكرمه وجوده وفضله ورحمته فإنه لطيف بعباده وهو أرحم الراحمين .