بسم الله الرحمن الرحيم
إخواني الكرام / أعضاء ومتصفحي منتديات القبابنة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : إليكم هذه القصيدة للشاعر الكبير / أبي القاسم الشابي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وهي بلا شك قصيدة جميلة رغم تحفظنا العقدي على البيت الأول الذي يحتاج إلى شيء من التعليق : ( فكيف نقول إن القدر يجب أن يستجيب للشعب ) ولا يختلف إثنان على شاعرية وإبداع الشاعر / أبي القاسم الشابي ولكن الخلاف على البيت فقط من الناحية الشرعية العقدية ، وعلينا نحن المسلمين ألا نقدم شيئا على ديننا الحنيف . والبيت الأول قد يقال : فيه أن الشابي حينما طالب باستجابة القدر فهو يقصد أن الشعب حينما يقوم بتحرير نفسه من القيود التي فرضتها عليه حكومته فلا بد لهذا الحكومة أن تستجيب لمطالب شعبها لأن هذا الشعب أراد الحياة بعزيمة وصدق . قال الشاعر / أبو القاسم الشابي :
إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة
= فلا بُدّ أن يَستجيبَ القَدَر
ولا بد للّيل أن ينجلي
= ولا بُدّ للقيدِ أن ينكسر
ومن لم يعانِقْه شوق الحياةِ
= تَبَخَّر في جَوِّها واندثر
فويلٌ لمن لم تشُقْه الحيـــاة
= من صفعة العدم المنتصــر
كذلك قالت لي الكائناتُ
= وحَدَّثَني روحُها المُستَتِر
ودمدمةُ الريحِ بين الفِجاجِ
= وفوق الجبالِ وتحت الشجرْ
إذا ما طَمَحْتُ إلى غايةٍ
= لبستُ المُنَى وخلعتُ الحَذَر
ولم أَتَخوَّف وعورَ الشِّعاب
= ولا كبَّة اللَّهبِ المُسْتَعِر
ومن لا يُحِبُّ صعودَ الجبال
= يَعِشْ أبدَ الدهر بين الحُفَر
أبو القاسم الشابي ( 24 فبراير 1909 - 9 أكتوبر 1934م ) شاعر تونسي من العصر الحديث ولد في بلدة الشابة التابعة لولاية توزر المعروفة في تونس بكثرة العلماء والشعراء فيها .
حياته :
ولد أبو القاسم الشابي في يوم الأربعاء في الرابع والعشرين من شباط عام 1909م الموافق الثالث من شهر صفر سنة 1327هـ وذلك في مدينة توزر في تونس . وهو شاعر الخضراء تونس ، وهو القائل في مطلع قصيدته إرادة الحياة ( من بحر المتقارب ) :
إذا الشعب يوماً أراد الحيـاة
= فلا بدّ أن يستجيب القدر
بدأ تعلّمه في " الكتاتيب " وهو في الخامسة من عمره ، وأتمّ حفظ القرآن بكامله في سنّ التاسعة . ثم أخذ والده يعلّمه بنفسه أصول العربية ومبادئ العلوم الأخرى حتى بلغ الحادية عشرة . التحق بالزيتونية أقدم جامعة في العالم العربي ومناره العلوم لبلاد المغرب والمشرق والتي بني الأزهر بعدها ب 300 سنة في 11 أكتوبر 1920 وتخرّج سنة 1928 نائلاً شهادة " التطويع " ثم التحق بمدرسة الحقوق التونسية وتخرج منها سنة 1930.
قضى الشيخ / محمد الشابي حياته المسلكية في القضاء بمختلف المدن التونسية حيث تمتع الشابي بجمالها الطبيعي الخلاب ، ففي سنة 1328هـ 1910 م عين قاضيا في سليانة ثم في قفصة في العام التالي ثم في قابس 1332هـ 1914م ثم في جبال تالة 1335هـ 1917م ثم في مجاز الباب 1337هـ 1918م ثم في رأس الجبل 1343هـ 1924م ثم إنه نقل إلى بلدة زغوان 1345هـ 1927م ومن المنتظر أن يكون الشيخ محمد نقل أسرته معه وفيها ابنه البكر أبو القاسم وهو يتنقل بين هذه البلدان ، ويبدو أن الشابي الكبير قد بقي في زغوان إلى صفر من سنة 1348هـ - أو آخر تموز 1929 حينما مرض مرضه الأخير ورغب في العودة إلى توزر ، ولم يعش الشيخ / محمد الشابي طويلاً بعد رجوعه إلى توزر فقد توفي في الثامن من أيلول - سبتمبر 1929 الموافق للثالث من ربيع الثاني 1348هـ .
كان الشيخ / محمد الشابي رجلاً صالحاً تقياً يقضي يومه بين المسجد والمحكمة والمنزل وفي هذا الجو نشأ / أبو القاسم الشابي ومن المعروف أن للشابي إخوان هما / محمد الأمين وعبدالحميد أما محمد الأمين فقد ولد في عام 1917 في قابس ثم مات عنه أبوه وهو في الحادية عشر من عمره ولكنه أتم تعليمه في المدرسة الصادقية أقدم المدارس في القطر التونسي لتعليم العلوم العصرية واللغات الأجنبية وقد أصبح الأمين مدير فرع خزنة دار المدرسة الصادقية نفسها وكان الأمين الشابي أول وزير للتعليم في الوزارة الدستورية الأولى في عهد الاستقلال فتولى المنصب من عام 1956 إلى عام 1958م .
وعرف عن الأمين أنه كان مثقفاً واسع الأفق سريع البديهة حاضر النكتة وذا اتجاه واقعي كثير التفاؤل مختلفاً في هذا عن أخيه / أبي القاسم الشابي . والأخ الآخر / عبدالحميد وهو لم تتوفر لدي معلومات عن حياته .
يبدو بوضوح أن الشابي كان يعلم على أثر تخرجه في الزيتونة أعرق الجامعات العربية أو قبلها بقليل أن قلبه مريض ولكن أعراض الداء لم تظهر عليه واضحة إلا في عام 1929 وكان والده يريده أن يتزوج فلم يجد أبو القاسم الشابي للتوفيق بين رغبة والده وبين مقتضيات حالته الصحية بداً من أن يستشير طبيباً في ذلك وذهب الشابي برفقة صديقة / زين العابدين السنوسي لاستشارة الدكتور / محمود الماطري وهو من نطس الأطباء ، ولم يكن قد مضى على ممارسته الطب يومذاك سوى عامين وبسط الدكتور الماطري للشابي حالة مرضه وحقيقة أمر ذلك المرض غير أن الدكتور الماطري حذر الشابي على أية حال من عواقب الإجهاد الفكري والبدني وبناء على رأي الدكتور الماطري وامتثالاً لرغبة والده عزم الشاي على الزواج وعقد قرانه .
يبدو أن الشابي كان مصاباً بالقلاب منذ نشأته وأنه كان يشكو انتفاخاً وتفتحاً في قلبه ولكن حالته ازدادت سوءاً فيما بعد بعوامل متعددة منها التطور الطبيعي للمرض بعامل الزمن والشابي كان في الأصل ضعيف البنية ومنها أحوال الحياة التي تقلّب فيها طفلاً ومنها الأحوال السيئة التي كانت تحيط بالطلاب عامة في مدارس السكنى التابعة للزيتونة . ومنها الصدمة التي تلقاها بموت محبوبتة الصغيرة ومنها فوق ذلك إهماله لنصيحة الأطباء في الاعتدال في حياته البدنية والفكرية ومنها أيضاً زواجه فيما بعد . لم يأتمر الشابي من نصيحة الأطباء إلا بترك الجري والقفز وتسلق الجبال والسياحة ولعل الألم النفساني الذي كان يدخل عليه من الإضراب عن ذلك كان أشد عليه مما لو مارس بعض أنواع الرياضة باعتدال . يقول بإحدى يومياته الخميس 16-1-1930 وقد مر ببعض الضواحي : " ها هنا صبية يلعبون بين الحقول وهناك طائفة من الشباب الزيتوني والمدرسي يرتاضون في الهواء الطلق والسهل الجميل ومن لي بأن أكون مثلهم ؟ ولكن أنى لي ذلك والطبيب يحذر علي ذلك لأن بقلبي ضعفاً ! آه يا قلبي ! أنت مبعث آلامي ومستودع أحزاني وأنت ظلمة الأسى التي تطغى على حياتي المعنوية والخارجية ".
وقد وصف الدكتور / محمد فريد غازي مرض الشابي فقال : " إن صدقنا أطباؤه وخاصة الحكيم الماطري قلنا إن الشابي كان يألم من ضيق الأذنية القلبية أي أن دوران دمه الرئوي لم يكن كافياً وضيق الأذنية القلبية هو ضيق أو تعب يصيب مدخل الأذنية فيجعل سيلان الدم من الشرايين من الأذنية اليسرى نحو البطينة اليسرى سيلاناً صعباً أو أمراً معترضاً ( سبيله ) وضيق القلب هذا كثيرا ما يكون وراثياً وكثيراً ما ينشأ عن برد ويصيب الأعصاب والمفاصل وهو يظهر في الأغلب عند الأطفال والشباب مابين العاشرة والثلاثين وخاصة عند الأحداث على وشك البلوغ ". وقد عالج الشابي الكثير من الأطباء منهم الطبيب التونسي الدكتور / محمود الماطري ومنهم الطبيب الفرنسي الدكتور / كالو والظاهر من حياة الشابي أن الأطباء كانوا يصفون له الإقامة في الأماكن المعتدلة المناخ . قضى الشابي صيف عام 1932 في عين دراهم مستشفياً وكان يصحبه أخوه / محمد الأمين ويظهر أنه زار في ذلك الحين بلدة طبرقة برغم ما كان يعانيه من الألم ، ثم أنه عاد بعد ذلك إلى توزر وفي العام التالي اصطاف في المشروحة إحدى ضواحي قسنطينة من أرض القطر الجزائري وهي منطقة مرتفعة عن سطح البحر تشرف على مساحات مترامية وفيها من المناظر الخلابة ومن البساتين ما يجعلها متعة الحياة الدنيا وقد شهد الشابي بنفسه بذلك ومع مجيء الخريف عاد الشابي إلى تونس الحاضرة ليأخذ طريقة منها إلى توزر لقضاء الشتاء فيها . غير أن هذا التنقل بين المصايف والمشاتي لم يجد الشابي نفعاً فقد ساءت حاله في آخر عام 1933 واشتدت عليه الآلام فاضطر إلى ملازمة الفراش مدة . حتى إذا مر الشتاء ببرده وجاء الربيع ذهب الشابي إلى الحمّة أو الحامه ( حامة توزر ) طالباً الراحة والشفاء من مرضه المجهول وحجز الأطباء الاشتغال بالكتابة والمطالعة . وأخيراً أعيا الداء على التمريض المنزلي في الآفاق فغادر الشابي توزر إلى العاصمة في 26-8-1934 وبعد أن مكث بضعة أيام في أحد فنادقها وزار حمام الأنف ، أحد أماكن الاستجمام شرق مدينة تونس نصح له الأطباء بأن يذهب إلى أريانة وكان ذلك في أيلول واريانة ضاحية تقع على نحو خمس كيلو مترات إلى الشمال الشرقي من مدينة تونس وهي موصوفة بجفاف الهواء . ولكن حال الشابي ظلت تسوء وظل مرضه عند سواد الناس مجهولاً أو كالمجهول وكان الناس لا يزالون يتساءلون عن مرضه هذا : أداء السل هو أم مرض القلب ؟.
ثم أعيا مرض الشابي على عناية وتدبير فرديين فدخل مستشفى الطليان في العاصمة التونسية في اليوم الثالث من شهر أكتوبر قبل وفاته بستة أيام ويظهر من سجل المستشفى أن أبا القاسم الشابي كان مصاباً بمرض القلب .
توفي أبو القاسم الشابي في المستشفى في التاسع من أكتوبر من عام 1934 فجراً في الساعة الرابعة من صباح يوم الأثنين الموافق لليوم الأول من رجب سنة 1353هـ . ونقل جثمان الشابي في أصيل اليوم الذي توفي فيه إلى توزر ودفن فيها ، وقد نال الشابي بعد موته عناية كبيرة ففي عام 1946 تألفت في تونس لجنة لإقامة ضريح له نقل إليه باحتفال جرى يوم الجمعة في السادس عشر من جماد الثانية عام 1365هـ. ويعبر الشابي أجمل تعبير عن انوار تونس والمغرب العربي التي إستفادت منها بلاد المشرق كما هي الحال مع ابن خلدون والحصري القيرواني وابن رشيق وغيرهم المعبرين أنصع تعبير عن خصوصية المدرسة التونسية أو مدرسة الغرب الإسلامي الذي تؤهله جغرافيته أن يكون الجسر بين الغرب والشرق والذي ظل مدافعا عن الثغور ولم يمح رغم الداء والأعداء كما يقول الشابي . وإليكم هذه القصيدة للشاعر الكبير / أبي القاسم الشابي وهي بلا شك قصيدة جميلة رغم تحفظنا على البيت الأول الذي يحتاج إلى شيء من التعليق ( فكيف نقول إن القدر يجب أن يستجيب للشعب ) ولا يختلف اثنان على شاعرية وإبداع أبي القاسم الشابي ولكن الخلاف على البيت فقط من الناحية الشرعية ، وعلينا نحن المسلمين ألا نقدم شيئا على ديننا الحنيف . والبيت الأول قد يقال : فيه أن الشابي حينما طالب باستجابة القدر فهو يقصد أن الشعب حينما يقوم بتحرير نفسه من القيود التي فرضتها عليه حكومته فلا بد لهذا الحكومة أن تستجيب لمطالب شعبها لأن هذا الشعب أراد الحياة بعزيمة وصدق . قال الشاعر / أبو القاسم الشابي :
إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة
= فلا بُدّ أن يَستجيبَ القَدَر
ولا بد للّيل أن ينجلي
= ولا بُدّ للقيدِ أن ينكسر
ومن لم يعانِقْه شوق الحياةِ
= تَبَخَّر في جَوِّها واندثر
فويلٌ لمن لم تشُقْه الحيـــاة
= من صفعة العدم المنتصــر
كذلك قالت لي الكائناتُ
= وحَدَّثَني روحُها المُستَتِر
ودمدمةُ الريحِ بين الفِجاجِ
= وفوق الجبالِ وتحت الشجرْ
إذا ما طَمَحْتُ إلى غايةٍ
= لبستُ المُنَى وخلعتُ الحَذَر
ولم أَتَخوَّف وعورَ الشِّعاب
= ولا كبَّة اللَّهبِ المُسْتَعِر
ومن لا يُحِبُّ صعودَ الجبال
= يَعِشْ أبدَ الدهر بين الحُفَر
منقول بتصرف مع خالص التحية وأطيب الأمنيات وأنتم سالمون وغانمون والسلام .